عن المغيَّباتِ، ولم يمنعِ العقلُ من إجرائه علَى ظاهرِ لفظه، وَجَبَ إجراؤُه علَى ظاهره في الإيمانِ به؛ لثبوت الجواز العقلي الذي ينفي المانع، وهو استحالة الوقوع، والإخبار الشرعي الذي يقتضي وقوعَ أحدِ الجائزين، ووجوب تصديق المعصوم فيما أُمِر به، وتدخل تحت هذا أمورٌ كثيرةٌ من أحوال الآخرة؛ كالمُسَاءَلةِ في القبر، ومُنْكَرٍ ونَكِيرٍ، ونَصْبِ الموازين، إلَى غير ذلك.
الحادية والعشرون: قد ذكرنا من حديث مالك: "فليُذَادنَّ رجالٌ عن حوضي"، ففيه إثباتُ الحوض للنبي - صَلَّى الله عليه وسلم -، وذلك ممَّا يدخل تحت القاعدة السابقة؛ للإمكان والإخبار عن الوقوعِ، ووجوب التصديق.
الثَّانية والعشرون: هذا الوجوب وإن ثبت بما قررناه من القاعدة؛ أعني: وجوبَ الإيمان بالظاهرِ من الألفاظ، لكن لدلالة الألفاظ علَى تلك الأمور المعنوية تفاوتٌ في الرتب؛ فمنها ما ينتهي إلَى [القطع بأنَّ المرادَ الظاهرُ وما دلَّ عليه اللفظ، وذلك لكثرة ورود](١) الأمثال، وقيام القرائن، وما تلقته الأمةُ خلفاً عن سلف، بحيث يحصل لهم العلمُ القطعي بإرادة الظاهر.
ومنها ما يقابل ذلك، وهو ما لمْ تكثرِ الألفاظُ الدالةُ علَى المعنى، بحيث ينتفي احتمالُ المجاز؛ إما بسبب العلة، أو لانتفاءِ القرائنِ المفيدةِ للقطع.