للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* الوجه الرابع: في شيء من مفرداته، وفيه مسائل:

الأولى: (كلٌّ) اسم لمجموع أجزاء الشيء (١)، ومعناه الإحاطة


= ووقع بين الشيخين الفاضلين أبي محمد عز الدين بن عبد السلام وأبي عمرو بن الصلاح في ذلك تنازع. فذكر ابن القيِّم رحمه الله حجة كل واحد من الإماميين الجليلين، ثم قال: ثم ذكر - أي: أبو عمرو - كلام الشراح في معنى طيبه، وتأويلهم إياه بالثناء على الصائم، والرضا بفعله على عادة كثير منهم بالتأويل من غير ضرورة، وأي ضرورة تدعو إلى تأويل كونه أطيب عند الله من ريح المسك بالثناء على فاعله، والرضا بفعله، وإخراج اللفظ عن حقيقته، وكثير من هؤلاء ينشئ للفظ معنى، ثم يدِّعي إرادة ذلك المعنى بلفظ النص، من غير نظر منه إلى استعمال ذلك اللفظ في المعنى الذي عينه، أو احتمال اللغة له، ومعلوم أن هذا يتضمن الشهادة على الله تعالى ورسوله بأن مراده من كلامه كيت وكيت، فإن لم يكن ذلك معلوما بوضع اللفظ لذلك المعنى، أو عرف الشارع وعادته المطردة أو الغالبة باستعمال ذلك اللفظ في هذا المعنى أو تفسيره له به وإلا كانت شهادة باطلة. ومن المعلوم أن أطيب ما عند النَّاس من الرائحة رائحة المسك، فمثل النَّبيُّ هذا الخلوف عند الله تعالى بطيب رائحة المسك عندنا وأعظم. ونسبة استطابة ذلك إليه - سبحانه وتعالى -، كنسبة سائر صفاته وأفعاله إليه، فإنها استطابة لا تماثل استطابة المخلوقين، كما أن رضاه وغضبه وفرحه وكراهيته وحبه وبغضه لا تماثل ما للمخلوق من ذلك، كما أن ذاته - سبحانه وتعالى - لا تشبه ذوات خلقه، وصفاته لا تشبه صفاتهم وأفعالهم، وهو - سبحانه وتعالى - يستطيب الكلم الطيب فيصعد إليه، والعمل الصالح فيرفعه، وليست هذه الاستطابة كاستطابتنا.
ثم إن تأويله لا يرفع الإشكال؛ إذ ما استشكله هؤلاء من الاستطابة يلزم مثله الرضا، فإن قال: رضا ليس كرضا المخلوقين، فقولوا: استطابة ليست كاستطابة المخلوقين. وعلى هذا جميع ما يجيء من هذا الباب، انتهى.
قلت: وهكذا كلام في غاية التحقيق والمتابعة للسلف رضوان الله عليهم.
(١) انظر: "الخصائص" لابن جني (٣/ ٣٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>