قلت: أما كتابه على البخاري، فقد اتصلتْ روايتُه إلى زماننا من جهة البَرقاني عنه، وأما كتابُ مسلم، فلم يصلْ إلينا، ولكنْ رأيت جمعه لأحاديث جماعة؛ أيوب السختياني، ومِسْعَر بن كدام، ويحيى ابن سعيد الأنصاري، وزيد بن أبي أُنيسة، وهي كتب مفيدة تدل على اتساعٍ في الرواية كثير، وجمع للمشايخ والطرق كبير.
* * *
* الوجه الثاني: في إيراد الحديث بتمامه على الوجه: رواه البخاري، عن محمد بن سَلاَم - بتخفيف اللام -، عن أبي معاويةَ، عن الأعمشِ، عن شقيقٍ قال: كنتُ جالساً مع عبد الله، وأبي موسى الأشعريِّ، فقال له أبو موسى: لو أنَّ رجلاً أجنبَ، فلم يجدِ الماءَ شهراً، أما كان يتيمم ويصلي؟ فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}[المائدة: ٦] فقال عبد الله: لو رُخِّص لهم في هذا، لأوشكوا إذا بَرَدَ عليهم الماء، أن يتيمموا الصعيدَ، قلت: وإنما كرهتم هذا لذا (١)؟ قال: نعم، فقال أبو موسى: ألم تسمعْ قول عمارٍ لعُمَرَ: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حاجة، فأجنبتُ، فلم أجدِ الماء, فتمرَّغتُ في الصعيد كما تَمَرَّغُ الدابةُ، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:"إنما كان يكفيك أن تَصْنَعَ هكذا"، وضربَ بكفِّه ضربةً على الأرض، ثم نفضَها، ثم مسحَ بها ظهر كفه بشماله، أو ظهر شماله بكفه، ثم مسح بها وجهه، فقال عبد الله: أفلم تر عمر