على هذا القدر في قريب من هذه الليونة، فلأَن يدلَّ على عدم استحباب الاقتصار فيما هو أخشنُ منها وأغلظُ من باب الأولى، وهذا بخلاف الكراهة، فإنَّه لا يلزَمُ من عدمِ كراهة الاقتصار على هذا القدر في البدن الليِّن عدمُ الكراهةِ لما دونه في البدن الخشن.
الحادية عشرة: تَصَرَّف شيخنا أبو محمد ابن عبد السلام - رحمه الله - تصرُّفاً أخصَّ من هذا، فجعل للمتوضِّئ والمغتسل ثلاثةَ أحوال:
إحداهنَّ: أن يكون معتدلَ الخَلْق؛ كاعتدال خَلْق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيقتَدِي به في اجتنابِ التنقيصِ عن المُدِّ والصَّاع.
الحالة الثَّانية: أن يكون ضئيلاً لطيفَ الخَلقْ، بحيث يعادلُ جسدُه بعضَ جسدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فيُسْتَحَبُّ له أن يستعملَ من الماءِ ما تكونُ نسبتَه إلى جسده كنسبة المد والصاع إلى جسدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.
الحالة الثالثة: أن يكونَ مُتَفَاحِشَ الخَلْقِ في الطُّول والعرض، وعِظَمِ البَطْن، وتخامَةِ الأعضاء، فيستَحَبُّ أن لا ينقص عن مقدارٍ تكون نسبتُه إلى بدنه، كنسبة المد والصاع إلى رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -، كذا ذكر (١).
الثَّانية عشرة: هذا النوع - أعني: مراعاةَ هذا القدر - فرعٌ من فروع قاعدةٍ شرعية؛ وهي الاقتصاد في المصالح والطاعات،
(١) انظر: "قواعد الأحكام" للعز بن عبد السلام (٢/ ١٧٥).