فالمنزلة الدنيا: التقصيرُ في جلبِ المصالحِ، وهو مذموم.
والمنزلة القُصوى: الإسرافُ في جَلْبها، ويدخل فيه الغلوُّ في الدينِ والتنطُّعُ، وهو مذموم.
والاقتصاد: التوسُّط بينهما، وهو محمود، كما قيل الحسنة بين السيئتين؛ بمعنى: أن التقصيَر سيئةٌ، والإسرافَ سيئةٌ، والحسنةُ ما توسط بين الإسراف والتقصير، وخيرُ الأمور أوساطها، وها هنا أمرٌ دقيقٌ عَسِرٌ في العلمِ به، وفي العمل في مواضع: منها:
الفرق بين الوَرَعِ والوَسْوَاسِ، فإن الوسواسَ مذمومٌ، والورعَ محمودٌ.
وآخرُ كل مرتبة تلي الأخرى، وأولُ الأخرى تلي آخرَ الأولى، وهذا في الأخلاق والشجاعة والتهوُّر؛ فإنَّ الشجاعةَ محمودةٌ، فإذا زادت على القدرِ المطلوبِ، انتهت إلى التهوُّر المذموم.
وكذلك التحرز والاحتياط والنظر في العواقب محمودٌ، فإذا أفرط، انتهى إلى الجُبْنِ والخَوَرِ المذموم.
فهذا هو العسر في معرفة التوسط علماً وعملاً، حيث تتقارب المراتب، فأمَّا إذا تباعدت، فلا إشكال.