للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن ثبت تعبُّدُهم في شيء بالاستعمال وتنجيسه كالنصارى، فقد ورد النصُّ على هذا التقدير في المتدينين باستعمال النجاسة، فلا يلحق به من لا يتدين باجتنابها على ما قررناه.

وإن لم يثبت ذلك في حقهم، أو ثبت أن لا تدينَ لهم بذلك، لم يجُزْ أن يعلَّلَ الحكمُ بالامتناع بالتدين باستعمال النجاسة؛ لأن اللفظَ واحدٌ يقتضي حكمًا واحدًا يتناول الفريقين، فلا يجوز أن تكون العلةُ مخصوصةً بأحدهما؛ لأن الحكم لا يثبت لعلة مع انتفائها في المحل.

وعلى هذا التقدير: يكون الحديثُ دليلًا على إلغاء التعليل بالتدين باستعمال النجاسة؛ لأنه إذا تعذَّرَ التعليلُ بما به الافتراقُ، تعيَّنَ التعليلُ بما به الاشتراكُ.

الرابعة عشرة: أقام الفقهاء قاعدة يدخل تحتها استعمال أواني المشركين، وغير ذلك، وهي ما إذا تعارض الأصل والظاهر، فأيُّهما يُقدم؟

ورجَّحَ مصنفو الشافعية - أو من قال منهم - الأصلَ (١)، ولا يخفى أن الظنَّ المستفادَ من العِلّيَّة أقوى من الظن المستفاد من الأصل، يعرف هذا بالرجوع إلى العوائد والنظر إلى ما يحدث في النفس من اعتبارها، بل ربما انتهى ذلك إلى قريبٍ من درجة القطع، وإذا ترجَّح الظنُّ المستفادُ من العِلِّيَّة، وجب بناءُ الحكمِ عليه؛ لأن العملَ بأرجح


(١) انظر: "الإبهاج" للسبكي (٣/ ١٧٣)، و"المنثور" للزركشي (١/ ٣١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>