الثانية والثمانون بعد المئة: وقوله: "فرَّغَ قلبَه للهِ" قد تقدم أن التفريغَ والملءَ حقيقةٌ في الأجسام، مجازٌ في المعاني، والمراد به: إزالة الخواطر والشَّواغِب والوَساوِس المُلْهِية الشَّاغلة عما هو بِصدده، من الإقبال على الله تعالى، وإخلاص التوجُّه إليه، كما جاء في الحديث الآخر:"لا يحدِّثُ فيهِمَا نَفْسَه"(١).
الثالثة والثمانون بعد المئة: قوله: "وفرَّغَ قلبَه لله" يقتضي: أن يكون ذلك ممكنا له، وذلك صحيحٌ في باب الأمرِ والترغيبِ معًا؛ أما في الأمر؛ فظاهرٌ، وأما في الترغيب؛ فلأنَّ المقصودَ به اتحادُ الفعل، فإن لم يكن ممكنا، لم يحصلِ المقصودُ بالترغيب.
الرابعة والثمانون بعد المئة: فالأقرب أنه إنما يتناول التفريغَ المنتشرَ عنه عادةً، وتخرج عنه الوساوسُ التي لا يمكن دفعُها، فيكون معفوًّا عنها، غيرَ مُشْتَرطةٍ في حصول الثواب المذكور تيسيراً على المصلّين، ويحتملُ أن يكونَ المرادُ الحقيقةَ، وهي نفيُ جميع الشَّواغبِ والخواطرِ، لكن بواسطة تحصيلِ الأسباب الموجبةِ لذلك، وإزالةِ الموانع، وتحصيل هذه وإزالة تلك من الممكنات؛ بكثرة ذكر الله تعالى، حتى يَعْمُرَ القلبُ ويُنفى كلُّ خاطرٍ، كما يحكى عن بعض أكابر الصالحين والسلف، لكنه شديدٌ وتشديدٌ، والأقربُ إن شاء الله هو الأول، وربما تُشْعِر به بعضُ هذه الألفاظ.