ابن عبسة لم يكن من هذا القبيل ظاهرًا، ويحتمل أن يريدَ سؤالَه عمن معه معرفة حالهم، فإن لصفاتِ أربابِ المذاهب والعقائد من العقل الراجح، وغير ذلك، أصلًا كبيرًا في صحتها، والأقرب أن يكون السؤال للأمر الأول.
وقوله بعد العلم بقلتهم:"إني مُتَّبعك" لإشراق نور الإيمان في قلبه، وقوَّةِ الاعتقاد، وعدم الالتفات لهذه العلة.
الخامسة: قال القرطبي: وقوله: "فمن تبعك على هذا الأمر؟ قال: حرٌّ وعَبْدٌ" الحرُّ: أبو بكر، والعبد: بلال، كما فسَّره، ولم يذكر له النبي - صلى الله عليه وسلم - عليًا لصغره؛ فإنه أسلم وهو ابن سبعِ سنين، وقيل: ابن عشر، ولا خديجة؛ لأنه فَهِمَ عنه أنه إنما سأله عن الرجال، فأجابه حسب ذلك.
قال: ويُشكل هذا الحديث بحديث سعد بن أبي وقاص، فإنه قال:"ما أَسْلَمَ أَحَد إلا في اليوم الذي أَسْلَمْتُ فيه، ولقد مَكَثْتُ سَبْعَةَ أيام، وإني لَثُلُثُ الإسلامِ"(١) وظاهرهُ: أن بلالًا وأبا بكر أسلما في اليوم الذي أسلم فيه، وأنه أقام سبعة أيام لم يسلم معهم - الثلاثةِ - أحدٌ، وحينئذ يلزم أن يكون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم جاءه عمرو بن عبسة - أبو بكر وسعد وبلال، لكنْ سكت عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، أعني: عن سعد، فلم يذكره.