الظنين واجبٌ، وحديث أبي ثعلبةَ هذا: فيه الأمر بالغسل قبل استعمالها، والنهي عن استعمالها إذا وجد غيرها، وهما يدلَّانِ على ذلك؛ أعني: اعتبارَ العِلِّيَّة.
الخامسة عشرة: هذا الذي ذكرناه وهو بالنسبة إلى الظنين من حيث هما هما، وقد حكمنا بأن الراجح: الظن المستفاد من الغلبة، ولكن قد يقوم مانعٌ معارضٌ لاعتبار هذا الظن الراجح بالعليَّة؛ كالمشقة وعُسر الاحتراز مثلًا، ولا بِدْعَ في ترجيح المانع الراجح على المقتضى، ودرجات هذا المانع مختلفة، فما قوي منها ولزم منه الحرجُ والمشقة العامة، فاعتبارُه ظاهر، وما كان دون ذلك، فهو محلُّ نظرٍ.
فإذا نظرت إلى العوام وأرباب الحِرَف والمِهَن، ومن لا يصلي منهم، ومباشرتهم النجاسات في حوانيتهم ومهنِهم وأشغالِهم، وطَرَآن (١) النجاسات الخارجة عنهم على حوانيتهم ومواضع أشغالهم، علمت غلبة النجاسة على كثير - أو على أكثر - ما هم فيه، لا سيما في بعض الحِرَف، فالقول بالتزام مجانبتهم ومُلابَستِهم في كل شيء يُفْضي إلى حَرجٍ ومشقة عامة، يعسُر اعتبارُها، فيقوى المانع من اعتبار الظن المستفاد من الغالب عمومًا، ويتأيَّد ذلك في بعض الصور بعمل السلف الصالح، ويمكن أن يكون ما في حديث أبي ثعلبة هذا من
(١) مصدر (طرأ)، والمعروف عند أهل اللغة في مصدره: طَرْء وطُرُوء.