للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكلُّ يرجع إلى معنًى واحدٍ؛ وهو الإخلاصُ، ونفيُ الاشتغالِ، وصرفُ الخواطرِ إلى غيرِ ما هو من الرَّكعتين، وحصرُها فيما هو فيه منهما، فالإقبالُ مُعَبَّرٌ به عَنْ هذا الحصرِ؛ لأنَّه إدبارٌ عن الخواطِرِ المُشْغِلَةِ، وصرفٌ إلى المقصودِ، والصَّرفُ إليه هو الإقبالُ، والوجه: القَصْدُ، والقَلْبُ: الدَّواعي، والعوازمُ، والخواطرُ، التي يشتمل عليها هو، وهو أقربُ المجازات إلى الحقيقةِ، تسميةً للشيء باسم محلِّه.

وإذا كانت الحقيقة ما قلناه، فلا تعدُّدَ، واستعمالُ ما يقتضي التعدد يكون على خلاف الحقيقةِ في مثل هذا المكان، وكذلك إذا قلنا: أقبل زيدٌ على عمرو، فله حقيقة يُجوَّزُ بها عن توجُّهِ الخواطر، وجَمْعِ الهمِّ على الشيء فيه، تشبيهاً بإقبال الشَّخْصِ على الشخص، وتوجُّهِه إليه.

الثانية: قوله: "قال: إنَّي قد رأيتُك جئتَ آنفاً" تحتاجُ إلى بيانِ مناسبته للحال والواقعة، ويمكن أن يقال فيه: إنَّه لما كان السابقُ أجودَ ما يُخبِرُ به عمرُ - رضي الله عنه - على ما ذَكَر، احتمل أن يكون قولُ عُقبةَ: "ما أجود هذه؟ " سببـ[ـه] (١) الغفلة عمَّا سبقَ مِنَ الأجودِ معَ حضورهِ له.

واحتمل أن يكونَ سبُبه عدمَ حضورِه، فيكونُ الإخبارُ من عمرَ - رضي الله عنه - بما هو الأجودُ محتَمِلاً لأنْ يُنْسَب عقبة إلى الغفلةِ مع الحضورِ، وأنْ تُنْفَى عنه الغفلةُ ببيان أنَّه لم يكن حاضراً.


(١) زيادة من "ت".

<<  <  ج: ص:  >  >>