للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في المقدار، خاصٌّ في الجاري، فكل واحد بالنسبة إلى الآخر عامٌّ من وجه خاصٌّ وجه، وما كان كذلك، فلابدَّ فيه من الترجيح، فيمكن مَنْ يُرَجِّحُ العملَ بهذا الحديث أن يقولَ: هو أصحُّ من حديث القلتين؛ للاتفاق على صحته، وسلامته من الاضطراب الَّذي في حديث القلتين، ولأن صاحِبَي الصحيح أخرجاه، بخلاف حديث القلتين.

ويمكن لخصمه (١) أن يقولَ: عمومُ مفهومِ هذا الحديث وقعَ الإجماعُ على تخصيصه؛ لأن عموم مفهومَه يقتضي جوازَ الوضوء بكل ماء جارٍ وقعت فيه نجاسةٌ، وذلك مخصوص بالمتغير بالنجاسة إجماعًا، أما عمومُ مفهوم حديث القلتين فلم يقع الإجماعُ على تخصيصه؛ لأن مفهومَه: أنَّ ما دونَ القلتين إذا وقعت فيه نجاسةٌ ينجُسُ، وهذا المفهوم قد قال بعمومه الشافعيُّ - رضي الله عنه -، وقضى بنجاسة كلِّ فرد من أفراد الماء القاصر عن القلتين إذا وقعت فيه نجاسة، والعمومُ الَّذي تطرَّق إليه التخصيصُ بالإجماع، أضعفُ من العموم الَّذي لم يتطرَّقْ إليه التخصيصُ بالإجماع، فوجب ترجيحُ الأقوى عليه.

ويمكن ترجيحُ الأول بوجهٍ آخرَ، وهو عضدُ العمومات الدالة على طهورية الماء مطلقًا، وما جاء في الأحاديث: أنَّ الماءَ لا يَنْجُس (٢).

الثالثة عشرة: هذا الترجيحُ الَّذي ذكرنا من جانب المذهب الثاني؛ أعني: القولَ بأنَّ الجاري القليل ينجس بالتغير، وهو أنَّ عمومَ


(١) "ت": "خصمه".
(٢) تقدم تخريجه بألفاظ متعددة.

<<  <  ج: ص:  >  >>