قال: فيقول أولاً: نفي الربوبيَّة عن الغيرِ، ثم إثباتُها له آكَدُ في الإثبات، فالنَّفيُ إخراجٌ لكلِّ ما سواه عن القلب، حتى يصيرَ خالياً، فيحضر فيه سلطانُ الله، أشرقَ نورُه إشراقاً تاماً، وكَمُل لمَعَانُه كمالاً ظاهراً.
وقال أيضاً: إنَّ النفيَ الحاصل بـ (لا) يجري مجرى الطَّهارة، والإثبات بـ (إلا) يجري مجرى الصلاة، قال: وقد قال قوم من أهلِ التحقيق: النّصفُ الأول من هذه الكلمة تنظيفُ الأسرارِ، والثاني جِلاء الأنوار، والأول انفصالٌ عما سوى الحقِّ، والثاني اتصالٌ بالحق، والأول فَناء، والثاني بَقاء، أو كما قال في جميع ما ذكرنا.
وهذا كلامُه، بعضُه يرجع إلى شيءٍ من علم النظر، ويَحتاج إلى تحقيقٍ واستفسارٍ، وبعضُه يرجع إلى إطلاقات الصوفية ومعانيهم، وبعضُه فيه ضعف.
الرابعة والعشرون: ذكر بعضُ المتكلمين على هذه الكلمة سؤالاً، فقال: لقائلٍ أن يقول: من عرفَ أن للعالم صانعاً قادِرًا عالماً موصوفًا بجميع الصفاتِ المعتبَرة في الإلهيَّة، فقد عرفَ اللهَ تعالى معرفةً تامةً، بعدمِ الإلهِ الثاني لا يزيدُه كمالاً في صفاته، فلِمَ لا يكون العلمُ بالإله كافياً في حصول السعادة؟
وأجاب: بأنَّ تقديرَ الإله الثاني، لا يَعلمُ العبدُ بأنه عبدٌ لهذا أو لذاك، أو لهما جميعاً، فلا يظهرُ الافتقار إلا إلى المعيَّن، وفيه مِنَ الفساد ما فيه، أو كما قال.