أنَّ المقصودَ تعميمُ الطهارة فيما يدبغ من الأُهُب النجسة، وليس يمتنع أن يتقدمَ المرجوح، لا من حيث هو، بل بقرائنَ خارجةٍ عن ذاته تقتضي غلبةَ الظن بترجيحه، والقرينة هاهنا: أن المقصود بيانُ الطهارة، وإن ما يُتخيَّلُ راجحًا، [و] هو النجاسة بالموت، فهو زائل بالدباغ، وأما ما تقررت طهارتُه، فغنيٌّ عن البيان لطهارته.
الثانية والثلاثون: قد قدمنا في بعض وجوه الترجيح بين الحديثين اللذين أحدهما: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أيُّما إهابٍ دُبغَ فقد طَهُر"، والثاني: نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن افتراش جلود السباع، أنا قلنا: نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن افتراش جلود السباع مخصوص بالاتفاق، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أيُّما إهابٍ دبغَ فقد طَهُر" غير مخصوص بالاتفاق، فترجح العمل به على مُعارِضِهِ، وهذا البحث الَّذي ذكرناه في المسألة قبلها يقتضي دخولَ التخصيص أيضًا في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أيُّما إهابٍ دُبِغَ فقد طَهُر"، وهو التخصيص فيما ذكي، وقد ذكرنا ما يحتمل أن يُورَدَ عليه، فإن تَمَّ الجوابُ عنه بما ذكرناه، تمَّ ذلك الترجيحُ، وإن لم يتمَّ فطريقُ الترجيح أن يقال: ما ذكرتموه من التخصيص بما ذُكر مشتركٌ بيننا وبينكم، وتَنْفَرِدُون بتخصيص آخر، وهو إخراج جلد الكلب والخنزير، فما ذكرتموه فيه زيادةُ مخالفةٍ للدليل، وما ذكرناه فيه تعليلُ ذلك، فكان ما ذكرناه أولى.
الثالثة والثلاثون: قوله - صلى الله عليه وسلم - "إذا دُبغَ" يقتضي فعل فاعل للدِّباغة، والفقهاءُ لا يوقفون الطهارة بالدباغ على فعل فاعل، فلو