ذلك: بأنَّ فرعونَ كان عارِفاً بربِّه؛ لقوله تعالى {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ}[الإسراء: ١٠٢] حكم عليه موسى: بأنه كان عارفاً بالله، ثم ماتَ كافراً.
قال: ومنهم مَنْ قالَ: إنَّه مؤمنٌ؛ لأنَّه حصل له العِرْفانُ التَّام. وهذا الذي قاله فاسدٌ؛ لأنَّ فرعون أبى واستكبر، وقد بيَّنا كفرَ من هو كذلك.
وحكايةُ الخلاف على الإطلاق فاسدٌ؛ لأنَّ الخلافَ في غير المستكبر، فإن أراد أن يستدلَّ بأمرِ فرعونَ على غير المستكبِر، فهو فاسدٌ، وإن أرادَ أن يثبتَ الخلافَ في المستكبر، فهو باطلٌ بنصِّ القرآن والاتفاق.
السادسة والعشرون: قد قدَّمنا من مذاهبِ الصوفيَّة: أنَّ تحقيقَ هذه الكلمة، بزوال كلِّ الأحكام الغالبة على القلب سوى حُكمِ الله تعالى.
وبعضُ المتكلمين قسَّم الناسَ تقسيماً آخر فيها، فقال: إنَّ الناسَ في قول هذه الكلمة على مراتبَ وطبقات:
فأدناها طبقة: من قالها بلسانِهِ، فإنَّ ذلك يحقِنُ دَمَه، يعني: ويحرز ماله، كما قال - عليه الصلاة والسلام -: "أُمِرْتُ أن أقاتلَ النَّاسَ حتى يقولوا ... " الحديث (١)، وهذه درجةٌ يشترك فيها الموافقُ والمنافقُ، والصدِّيقُ والزِّنديق.