أبي ثعلبة بأنه أصح؛ لأنه في "الصحيحين"، وليس فيه الاضطراب الذي في حديث القلتين، وبأن دلالة حديث القلتين على نجاسة الماء القليل دلالةُ مفهوم، وبأنه يتوقف الاستدلالُ به على مقدمة أخرى.
الثامنة والخمسون: وذكرنا أيضاً الترجيحَ بين الدليل الدال لمقدار معين على نجاسة إناء المشرك، والدليلِ الدال على أن الماء القليل ينجس باتصال النجاسة به، ومن ذلك الدليل حديثُ القلتين، وقد ذكرنا ما يمكن فيه من الترجيح، ومنه حديث المستيقظ من النوم (١)، وهو حديث صحيح مشهور، لا يتأتَّى فيه الترجيح بزيادة الصحة، ولكن الترجيح فيه من جهة الدلالة، فجهة دلالة حديث أبي ثعلبة: هي الأمر بالغسل قبل الاستعمال، وهو دليل على النجاسة ظاهراً، وجهة الدليل من حديث المستيقظ: هي أنه لو لم يتأثر الماء بالنجاسة لمَا أُمِر بالغسل عند التوهم والاحتمال، وعليه سؤال سيأتي، فيكون محلَّ النظرِ ترجيحُ إحدى الدلالتين على الأخرى.
التاسعة والخمسون: وأما الترجيح بين الدليل الدال على قلة ماء المَزَادة ونقصانِه عن حدِّ الكثرة بعد تسليم التحديد بالقلتين، أو احتمالِ كثرته، فذلك راجعٌ إلى أمر وجوديٍّ ينبني عليه الظنُّ بالنقصان أو عدمِه، والله أعلم بالصواب.