النظر الأول: أن العربَ قد تحذف الموصوفَ وتُبقي الصفة وبالعكس، وإنَّما يصحُّ الحذفُ إذا فُهِم المعنى، طلباً للاختصار مع حصول المقصود، وذكر بعضُ فضلاء النحاة المتأخرين: أن إقامة الصفة مقامَ الموصوف ضعيفةٌ، ويحسُنُ إذا كانت الصفة مختصةً، وإذا كان الموصوفُ ظرفًا، وإذا كانت موصوفةً، كما تقول: مررتُ بعالم من بني فلان، وإذا كانت المقصودة نحو قوله تعالى:{أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}[هود: ١٨].
ومثالُ المختصةِ: رأيت العالم، وغيرِ المختصةِ: رأيت الأسود، ومثالُ الظرف: جلست قريباً منك، وبعيداً منك، وقد جاء حذفُ الصفة مع بقاء الموصوفِ في الكتاب العزيز كثيرًا.
واعلمْ أنه قد وردَ في هذا الحديث حذف الصفة وإبقاءُ الموصوف، لدلالة السياق عليه، وهو قوله:"ونحمل معنا القليل من الماء"، فإنَّ المعنى المراد: الماءُ العذب، فحذف الصفة.
وأما في لفظ البحر، فهو يَبتنِي على ما قدمناه من انطلاق هذه اللفظة على العذب والملح معاً، أو كونها أصلًا في الدلالة، أو غالبة في الدلالة عليه، فإن قلنا بالأصالة والغلبة، فلا حاجةَ إلى تقرير حذف الصفة في لفظ (البحر)، وإن قلنا بعموم الدلالة، احتيجَ إلى تقرير الحذف في البحر أيضاً.