أحدهما: أن يحمل الطعامُ على الذبائح، وهذا - وإن كان فيه تخصيص، وهو على خلاف الأصل - إلا أن فيه وفاءً بفائدة تخصيص أهل الكتاب بالذكر؛ لأنا إذا حملناه على الذبائح، دلَّ المفهوم على منع أكل ذبائح غير أهل الكتاب، فكان في التخصيص بهم فائدة.
وإذا حملناه على الطعام، فالمبيحون لاستعمال أواني المشركين لا تخصُّ جماعة منهم ذلك بأهل الكتاب؛ كما هو مذهب الشافعي؛ كما قدمنا حكايتَه عن الشيخ أبي حامد، فلا فرق بين أهل الكتاب وبين غير أهل الكتاب، فلا يبقى في التخصيص بذكرهم فائدةٌ.
واعلم بأن القولَ بأن المرادَ بالطعام الذبائحُ منقولٌ عن غير واحد من السلف.
روى القاضي إسماعيل بن إسحاق في كتاب "أحكام القرآن"(١) قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد، ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}[المائدة: ٥] قال: الذبائح.
قال: حدثنا يحيى، ثنا أبو معاوية، عن الحجاج، عن القاسم بن نافع، عن مجاهد قال: ذبائحهم.
(١) للإمام الحافظ شيخ الإسلام أبي إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل ابن محدث البصرة حماد بن زيد المالكي، قاضي بغداد وصاحب التصانيف، وكتابه "أحكام القرآن" لم يسبق إلى مثله. توفي سنة (٢٨٢ هـ). انظر: "تاريخ بغداد" للخطيب (٦/ ٢٨٤)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (١٣/ ٣٣٩).