منه، فإنا رأيناهم يستدلون بعموماتٍ ونصوصٍ بعيدةِ التناولِ في القصد لمحلِّ النزاع بظهور القصد، وكذلك القياسيون بالشبه يستدلون بقياسات مُتَهَالِكَةٍ في الضعف.
مثال الأول: الاستدلال بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الجمعة: ٩] على أن اختلافَ الأماكن مانعٌ من القدرة، حيث تُعتقد مانعيتُه، فإن المعلومَ أن المقصودَ بهذا الكلام إقامةُ الجمعة، وعدمُ تركها؛ لأن مقصود السعي مطلقًا يرشد إليه قوله تعالى:{وَذَرُوا الْبَيْعَ}[الجمعة: ٩]، ولو قال قائل: الآية تتناول من سمع الدعاء - وهو في آخر باب المسجد بحيث لا يسمع الخطبة - أنه يجب عليه أن يسعى في المسجد إلى محلِّ ذكر الله تعالى، لكان مبطلًا جزمًا.
ومثال الثاني: قياس من قاس بطلانَ صلاة المأموم إذا تقدم على إمامه على بطلان صلاة المصلي الواقف على نجاسة، بجامعِ أنه وقف في مكان ليس فيه موقفٌ لأحد.
أما قياسُ العلة فهو أرفعُ من قياس الشَّبَه، فما كان قد أُومِئ إليه في النص فهو صحيح، وكذا ما عُلم المقصودُ منه، والسبب فيه، فقد ينتهي ذلك إلى درجة القطع، كما نعلم قطعًا أن تحريمَ الخمر لإسكارها، وإفسادها للعقل والتمييز، حتى لو لم يَرِدْ أنها لذلك، لكفى مجردُ النهي والتحريم.
وأما ما ليس فيه إلا مجرَّدُ مناسبةٍ تبيَّنَها النَّاظرُ لا يَقْوَى في النَّفس