للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما الوجه الأول: فقد ذكرنا أنه ينبني على تقديم المؤرَّخ على المطلق، وفيه خلاف، وكذلك الثاني.

وأما الثالث: فإن دلَّ فإنما يدل على تقدم الإباحة في جلد شاة ميمونة على المنع، ولا يدل على تقدم الإباحة مطلقًا على المنع، والإباحة لم ينحصرْ طريقُها في التعليق بحديث شاة ميمونة، وإذا لم ينحصر، فلا امتناعَ من تأخُّر الإباحة في غير حديث ميمونة، كهذا الحديث الَّذي نحن فيه المقتضي للإباحة مطلقًا.

وَيرِدُ على هذا: أنه إذا ثبت تقدمُ الإباحة في حديث ميمونة على المنع، فلو تأخرتْ إباحةٌ أخرى عن المنع لزم النسخُ مرتين، وفي ذلك تكثيرُ مخالفةِ الدليل.

وإنما رددنا القولَ في دَلالة الحديث على الإباحة؛ لأن قولَها: "فما زلْنَا ننبذُ حتى صارَ شنًا"، إنما يدل على التقدم على الشهر إذا كان دالًا على كونه صار شنًا في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وليس في اللفظ ما يدل عليه، فجاز أنْ يستمرُّوا على استعماله بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى أنْ يصيرَ شنًا، ويمكن لمُدَّعٍ (١) أنْ يدَّعيَ أن هذا خرج مَخرجَ الاستدلال، ولا دليلَ إلا في فعل الرسول أو قوله أو إقراره، فلو انتفى كلُّ ذلك لم يصحَّ الاستدلال، ويمكن أن يُنازَعَ في هذه الدعوى.


(١) "ت": "مدعي".

<<  <  ج: ص:  >  >>