الطريق الثاني في الاعتذار: تأويل لفظ "طَهُر" على صلح وطاب ونظف، بناءً على إباحة استعمال الجلد بعد الدباغ، ويحمل "طهر" على مثل هذا، وهذا كما في قوله تعالى:{وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}[آل عمران: ٥٥]، وهذا يرجع إلى القاعدة التي ذكرناها من وجوب حمل الألفاظ الشرعية على حقائقها الشرعية.
وهذا التأويل إما أن يقال فيه: إنه حمل للفظ على حقيقته اللغوية، وهي أن الطهارة هي الوَضاءة والنظافة، وما أشبه هذا، أو على المجاز الشرعي.
ومما يضعف هذا التأويل أن يقال: إن الحاجة إنما مسَّت إلى معرفة الطهارة الشرعية؛ لاعتقاد أن الموت ينافيها، والجواب كان على ذلك، ثم يحتاج إلى بيان عاضد مرجح لهذا التأويل على العمومِ، وقرينةِ الحال في أحاديث الطهارة، وفيه عسر.
وممَّا يدل على أن السؤال كان عن الطهارة الشرعية، والجواب كان عن ذلك، الحديثُ الصحيح عن ابن وعلةَ السبأي قال: سألت ابنَ عباس، قلت: إنا نكون بأرض المغرب، ومعنا البربرُ والمجوسُ، نؤتى بالكبش قد ذبحوه، ونحن لا نأكل ذبائحَهم، ونُؤتى بالسِّقاء يجعلون فيه الوَدَك، فقال ابنُ عباس: قد سألنا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:"دِبَاغُهُ طَهُورُه"(١).