للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقول: إن كان مخالفوهم يدَّعون أن اللفظَ حقيقةٌ فيما يذكرونه لظهور المعنى فيه، وكون الأصل في الإطلاق الحقيقةَ، فقد يجاب عن ذلك على طريقة الأصوليين، بأنَّ الأصلَ عدمُ الاشتراك، وأنَّ المجازَ أولى منه، لكن التصريحَ بهذا الترجيح عزيزٌ في كلام النحاة، أو معدومٌ.

وإن كان مخالفوهم يدعون الاستعمالَ المجازيَّ بهذا المعنى، وليس في ألفاظهم - فيما عَلمتُ - تصريحٌ بدعوى الحقيقة والاشتراك، بل يقولون: يجيء كذا لمعنى كذا، أو يوضع كذا موضعَ كذا، وما أشبه ذلك، وهذا ليس بتصريح بكونه (١) حقيقةً فيه، والتأويلاتُ التي يبدونها مجازٌ أيضا، فيلزمهم إقامةُ دليلٍ على ترجيح المجاز الذي التزموه على المجاز الذي يدعيه خصومُهم، [وأن يحيل في ترجيح التضمين بكونه في الأفعال أو الأسماء على المجاز في الحروف، فلهم تأويلات يلزم منها المجازُ في الحروف، وتأويلاتٌ تقتضي تعدُّدَ المجاز بالنسبة إلى المجاز الذي يدعيه خصومهم] (٢)، وتوجبُ احتياجاً إلى زائد على مُجرَّدِ التضمين؛ ليصحَّ المعنى، ويطابق اللفظ.

فمما يلزم فيه المجازُ في الحرف ما قيل في {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ} [طه: ٧١]، وصرفُهُمْ لـ (في) عن معنى (على)، فإن (في) للظرفية حقيقةً، وليست حقيقةُ الظرفية موجودةً في الجذع للمصلوب، فهو مجازٌ في (في)،


= قلت: وقد تقدم عند المؤلف رحمه الله كلام ابن السِّيْد في "شرح أدب الكاتب " بتفصيل أكثر في هذا الموضع.
(١) "ت": "في كونه".
(٢) سقط من "ت".

<<  <  ج: ص:  >  >>