للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تراخٍ معنوي، وهو أنَّ كل فعل ذكر يفيد (١) في إثبات الوصف المذكور أولًا إن كان مثبتًا، وفي نفيِهِ إن كانَ منفيًا، ألا ترى أن قولَك: يعطي المالَ، مثبتٌ لصفة الكرم (٢)، وقولك: لا يغصبُ المال، نافٍ لصفة الظلم، فكأن المتكلمَ قصد بالفعل الأول الاستقلال بالبيان، ثم لما فرغ منه قصد بيانًا ثانيًا مستقلًا بالبيان (٣)، فتركُ الانتقالِ عن قصد الاستقلال بالأول إلى قصد إنشاء بيان ثانٍ [نزَّله] (٤) منزلة تراخٍ في الوجود، كما عطف (الآخِرَ) على (الأول) في قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} [الحديد: ٣]، لما قُصد الاستقلالُ بكل منهما، وامتنع العطف في قولك: الرمانُ حلوٌ حامضٌ، لما قُصِدَ عدمُ استقلال كلٍّ (٥) منهما.

وهذا المعنى بعينهِ يستعملُ في الفاء؛ نحوَ قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٢٦ - ٢٢٧]، فالفاء دخلت لتبيينِ حكمِ المُولي في زمن التربّصِ بجملتي الشرط بعدها، لا لتعقيبهما زمنَ التربص؛ هكذا قال أبو حنيفةَ - رحمهُ الله - (٦)، ومثلُهُ قولُ العرب:


(١) "ت": "مقيدًا".
(٢) في الأصل: "الكريم"، والمثبت من "ت".
(٣) في الأصل: "بالمال"، والمثبت من "ت".
(٤) زيادة من "ت".
(٥) في الأصل "الاستقلال بكل"، والمثبت من "ت".
(٦) انظر: "شرح فتح القدير" (٤/ ١٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>