للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان - رحمه الله - عزيزَ النفس، خفيفَ الروح، لطيفاً، على نسك وورع، ودين متَّبع، ينشد الشعر والزَّجَل والمُوشَّح، وكان يستحسن ذلك، رحمه الله تعالى ورضي عنه.

بحسبك أنِّي لا أرى لك عائباً ... سوى حاسدٍ والحاسدون كثير


= مشقةٌ عظيمة. قال تلميذُه قطب الدين الحلبي - فيما نقله عنه الذهبي في "التذكرة" (٤/ ١٤٨٣) -: وبلغني أن جده لأمه الشيخ الإمام المحقق تقي الدين بن المقترَح كان يشدد في الطهارة ويبالغ، انتهى.
قلت: هذا ما ذكره من ترجم للإمام ابن دقيق العيد، وكذا قال غيرهم ممن ترجم له، وأنا أذكر هاهنا فائدة جليلة تمُتُّ بصلة وثيقة إلى ما نحن فيه، نقلتها من فوائد الشيخ ابن دقيق في كتابنا هذا، وهي التفرقة بين الورع والوسوسة.
قال رحمه الله (٤/ ٢٠٤ - ٢٠٥): والفرق بين الوسواس والورع دقيق عَسِر، فالمتساهل يجعل بعضَ الورعِ وسواساً، والمشدِّد يجعل بعض الوسواس ورعاً، والصراط المستقيم دَحضٌ مَزِلَّة.
ومما ينبغي أن يفرق به بينهما: أن كل ما رجع إلى الأصول الشرعية فليس بوسواسٍ، ولا أريد الأدلة الشرعية البعيدة العموم، انتهى.
وعندما تكلم - رحمه الله - في قاعدة الاقتصاد في المصالح والطاعات، قال أثناء كلام له (٥/ ٩٣): وهاهنا أمر دقيق عسِر في العلم به وفي العمل في مواضع: منها الفرق بين الورع والوسواس، فإن الوسواس مذموم، والورع محمود، وآخر كل مرتبة تلي الأخرى، وأول الأخرى تلي آخر الأولى.
ثم قال: فهذا هو العَسِر في معرفة التوسط علماً وعملاً، حيث تتقارب المراتب، فأما إذا تباعدت، فلا إشكال، انتهى.
قلت: ليُتأَملْ كلام الإمام ابن دقيق رحمه الله الذي ذكرتُه، مع ما قيل من أمر تشدده ووسوسته، وأن يزان ما قيل عنه في هذا الباب بقسطاس مستقيم، والله أعلم بحقيقة الحال، وإليه سبحانه المرجع والمآل.

<<  <  ج: ص:  >  >>