للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضرب، وثلاثةً بعد ثلاثةٍ، وهو معنى مُستقلّ (١).

والتأكيد اللفظي قليل الفائدة (٢)؛ لأنَّ الغرضَ إبلاغُ المخاطَب ما لَعَّله لمْ يسمعْهُ، ومثلُ ذلك عندي قوله تعالَى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: ٢١ - ٢٢]، لا يُحمل اللفظ المكرر فيها علَى التأكيدِ اللفظي؛ لأنَّ المقصودَ تكرير وقوع الدَّكِّ والصَّفِّ؛ أي: دكًّا بعد دكٍّ، وصفًّا بعد صفٍّ، وهو معنى مستقلٌّ ينافيه التأكيدُ اللفظي؛ لأنَّ حمله عليه يبطلُ قصدَ التكرير لفظاً، وإبطالُه مُبطلٌ قصدَ التكرير معنى، وهو المقصود من الأمثلةِ المذكورة.

وعن أبي عبد الله ابن مالك: يعدُّ ذكرُ المعطوفِ في حكم التكرير (٣)، وقد يُغني في هذا النوع التكريرُ عن العطفِ، ومنه قوله تعالَى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: ٢١، ٢٢]؛ أي: دكاً بعد دكٍّ، وصفاً بعد صفٍّ (٤)، ويجري هذا المجرَى أسماءُ الأجناس، وأسماء العدد؛ نحو: جاء القوم رجلاً رجلاً، وجماعةً جماعةً، وأقبلوا اثنينِ اثنينِ، وثلاثةً ثلاثةً، ولا يُحمل الاسم الثاني في هذه الأمثلة علَى التأكيدِ اللفظي؛ لأنَّهُ لا معنى للتأكيد اللفظيِّ سوَى إبلاغ المخاطب ما لعله لمْ يسمعْه،


(١) وانظر: "الكتاب" لسيبويه (١/ ٣٩٢).
(٢) في الأصل: "قليل والفائدة"، والتصويب من "ت".
(٣) قال ابن مالك في "ألفيته":
وما مِنَ التوكيدِ لفظي يجي ... مكرراً كقولكَ: ادْرُجِي ادْرُجِي
(٤) "ت": "صفاً بعد صف ودكًّا بعد دكٍّ".

<<  <  ج: ص:  >  >>