للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتجوُّز، والعدول عن الحقيقة، وأن المتكلمَ مخيّرٌ بين حمل الإعراب على اللفظ تارةً، وبين حمله على الموضع أُخْرى.

فرد عليه الفقيه: بأن هذا دعوى مجردةٌ عن برهان، وللخصم أن يقول: بل لا تفعل العرب ذلك إلا تجوُّزًا واتّساعاً، وإنما الحقيقةُ تتبُعُّ اللفظِ اللفظَ، لا الموضعَ، وذكر قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} [الأنعام: ٩٩] فذكر أبو إسحاق الزجاج، وغيره من العلماء بهذا الشأن: أن قوله: {جَنَّاتٍ} منسوق على قوله: {خَضِرًا} أي: وأخرجنا من الماء خَضِرًا وجنات (١)، ولم يقولوا: أنها تحمل على الموضع (٢) {وَمِنَ النَّخْلِ} إن كان موضعهُ نصباً؛ لأن النخلَ مما أخرجه أيضًا، ألا ترى أنه قال في الآية: {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ}؟ أي: وأخرجنا منه شجر الزيتون والرمان، مع أن هذا أقربُ إليها من غيره، فأخرجنا منه خضراً، فثبت أن العطفَ على اللفظِ أصلٌ، وعلى الموضعِ تجوُّزٌ.

قلت: الذي ادَّعاه الفقيه من أن الحقيقةَ العطفُ على اللفظ، صحيحٌ، والاستعمالاتُ المذكورةُ في العطف على الموضع لا تدل على الحقيقة، والذي ذكره الفقيه أيضًا من الآية والحمل على العطف


(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج (٢/ ٢٧٦).
(٢) "ت": "موضع".

<<  <  ج: ص:  >  >>