القرطبي في هذا المعنى، وتعرض للجمع بين الأحاديث بغير ما ذكرناه نحن، فقال في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وكانت صلاتُه ومَشْيُه إلى المسجدِ [نافلةً] " يعني: أن الوضوء لم يُبقِ عليه ذنبًا، فلما فَعَل بعدَه الصلاةَ، كان ثوابُها زيادةً له على المغفرة المتقدمة، والنفل: الزيادة، ومنه: نفل الغنيمة: وهو ما يعطيه الإمامُ من الخُمس بعد القَسْمِ.
قال: وهذا الحديث يقتضي أن الوضوء بانفراده يستقلُّ بالتكفير، وكذلك حديث أبي هريرة، فإنه قال فيه:"إذا توضَّأَ العبدُ المسلمُ، فغسل وجْهَهُ، خَرَجَ من وجهِهِ كلُّ خَطِيئةٍ نَظَر إليها بعينه" وهكذا إلى أن قال: "حتى يخرجَ نقيًّا من الذُّنوب" وهذا بخلاف أحاديث عثمان المتقدمة؛ إذ مضمونُها: أنَّ التكفيرَ إنما يحصُلُ بالوضوء، إذا صلى به صلاةً مكتوبةً يُتِمُّ ركوعَها وخشوعَها.
قال: والتلفيق من وجهين:
أحدهما: أن يُرَدَّ مطلقُ هذه الأحاديث إلى مُقيَّدِها.
والثاني: أن نقول: إن ذلك يختلف بحسب اختلاف أحوال الأشخاص، فلا بُعدَ في أن يكون بعضُ المتوضِّئين، يحصُلُ له من الحضور [و] مراعاة الآدب المكملة، [ما يستقلُّ](١) بسببها وضوءه بالتكفير، ورُبَّ متوضيءٍ لا يحصل له مثلُ ذلك، فيكفر عنه بمجموع الوضوء والصلاة.
قال: ولا يُعتَرضُ [على] هذا بقوله - عليه الصلاة والسلام -: