للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: صرفْتَه عنها، فإذا قلتَ: لا عالمَ إلا زيدٌ، فهاهنا أمرانِ: أحدُهما هذا الحكمُ، والثاني نفسُ هذا العَدَمِ، فقولُك إلا زيدٌ: يَحْتَمِلُ أن يكونَ عائداً إلى الأول، وحينئذ لا يلزمُ تحقُّقُ الثبوتِ؛ إذ (١) الاستثناءُ إنَّما يُزيلُ الحكمَ بالعَدَمِ، فبقي المستثنى مَسْكوتًا عنه، غيرَ محكومٍ عليه لا بالنّفيِ، ولا بالإثباتِ، ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ عائداً إلى الثاني، فحينئذٍ يلزم تحقُّق الثبوتِ؛ لأنَّ عندَ ارتفاعِ العدمِ يحصلُ الوجودُ لا محالةَ، لكنَّ عودَ الاستثناءِ إلى الأولِ أولى، إذِ الألفاظُ وضعتْ دالة على الأحكام الذهنيَّةِ، لا على الأعيانِ الخارجيَّةِ، فإنَّك إذا قلتَ: العالمُ قديمٌ، فإنه لا يدلُّ على كونه قديماً في نفسه، ولأنَّ عدَمَ الشيءِ في نفسه، ووجودَه في نفسِهِ، لا يقيّد تصرفَ الغيرِ، فثبتَ أنَّ عود الاستثناء إلى الأول أولى.

الثاني: ما جاء من وَضْعِ هذا الاستثناء من غير أن يكونَ الإثبات: "لا نكاح إلا بولي" (٢)، "لا صلاةَ إلا بطهورٍ" (٣)، لا مُلْكَ إلا بالرجالِ، لا رجالَ إلا بالمالِ، والمرادُ في الكلِّ: مجرَّدُ الاشتراطِ.

وتمَّم هذا التشغيب: بأنَّ الصورَ التي دلَّتْ فيها على الإثبات، يجوزُ أن يكون مستفاداً من اللفظِ، بل بدليل منفصلٍ.

وفي كلامِ بعض المتكلمين ما يقتضي تقويةَ هذا المذهبِ، فإنَّه


(١) في الأصل: "إذا"، والمثبت من "ت".
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>