ثم ذكر فائدة جليلة قال فيها:"معلوم أن نظر المحدِّث من حيث هو محدِّث، إنما هو في الإسناد وما يتعلق به، لا من جهة استنباط الأحكام من الألفاظ ومدلولاتها، فإن تكلم في ذلك، فمن حيث هو فقيه، وكذلك العكس، نظر الفقيه فيما يتعلق بالاستنباط من الألفاظ ومدلولاتها، فإن تكلم في الأسانيد فمن حيث إنه محدِّث، فإذا كان كذلك، فالمحدِّث إذا قال بعد حديث: أخرجه فلان؛ فإنما يريد أصل الحديث، ولا يريد أنه أخرجه بتلك الألفاظ بعينها، لأن موجب صناعته تقتضي ذلك، ولهذا عملوا الأطراف، واكتفوا بذكر طرف الحديث وقالوا: أخرجه فلان وفلان.
والفقيه إذا أراد أن يحتج بلفظة يقتضي مدلولها حكما يذهب إليه وقال: أخرجه مسلم، أو فلان من الأئمة، فعليه أن تكون تلك اللفظة التي استنبط منها الحكم موجودة في رواية مسلم؛ لأنه مقتضى ما يلزمه من صناعته.
ثم قال: فمن قال بعد إيراد هذا الحديث للاحتجاج بهذه اللفظة: أخرجه مسلم، لم يَحسُن؛ لأن موضع الحجة صيغة الأمر، وليست في كتاب مسلم.
ومن أمثلة ذلك أيضاً: قوله في الحديث الأول من باب الطهارة: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته": ليس المقصود الأكبر بهذا الحديث الاستدلال محلى طهورية ماء البحر، لأنه كالمتفق عليه بين الفقهاء، فكان يكتفي بذلك؛ لأن الكتاب كتاب اختصار، لكن لما كان يتعلق به