للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما معنى قوله: {وَلَا تُلقُواْ بِأيدِيكم إِلَى التهلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥]؟

قلنا: لا خلافَ في أن للمسلم الواحد أن يهجُمَ على صفّ الكفارِ ويقاتلَ، وإن علم أنه يُقْتَلُ، وهذا ممَّا ظُنَّ أنه مخالف لموجِب الآية، وليس كذلك، فقد قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: ليس التهلكةُ ذلك، بل بذلُ النفقةِ في غير طاعةِ اللهِ عز وجل (١).

فلت: قسم محمودٌ الخوارزميّ (٢) [تلميذُ أبي الحسين البصري] (٣) الأمرَ فيما إذا عَلم أنه يزول المنكر، ولكنْ يصلُ إليه الضررُ، فإن كان ما يتركه أيسرَ مما يفعله من الضرر (٤) به، مثل أن يتركَ شربَ الخمر ويقتلَه، فذكر أنه لا يجوز، ووجه هذا: أن فيه دفعَ المفسدة الدنيا باحتمال الكبرى.

وإطلاقُ القاضي أبي الوليد بن رشد يقتضي أيضاً هذا، فإنه شرطَ أن يأْمَنَ من أن يؤدّي إنكارُ المنكر إلى منكر آخرَ أعظم (٥) منه، وهو أن ينهى عن شرب خمر فيؤول نهيُهُ عن ذلك إلى قتلِ نفسٍ


(١) رواه ابن جرير في "تفسيره" (٢/ ٢٠٠ - ٢٠١) عن ابن عباس قال: ليس التهلكة أن يُقتل الرجل في سبيل الله، ولكن الإمساك عن النفقة في سبيل الله.
(٢) هو العلامة الزمخشري صاحب "الكشاف".
(٣) زيادة من "ت".
(٤) "ت": "المضرة".
(٥) "ت": "أشهر".

<<  <  ج: ص:  >  >>