بصري تعجبًا مما رأيت. وخرج صاحبي فأسرع المشي وتبعته، فتلقاني رفقة من كَلْبٍ أعراب، فَسَبوني، فحملوني على بعير وشدُّوني وثاقًا، فتداولني البيَّاع، حتى سقطت إلى المدينة، واشتراني رجل من الأنصار، فجعلني في حائطٍ له من نَخْلٍ فكنت فيه، قال: ومن ثم تعلَّمتُ عمل الخُوص، أشتري خُوصًا بدرهم، فأعمله فأبيعه بدرهمين، فأرد درهمًا إلى الخُوص، وأَستنفق درهمًا، أحبُّ أن آكل من عمل يدي، وهو يومئذٍ على عشرين ألفًا. فبلغنا ونحن بالمدينة، أنَّ رجلًا قد خرج بمكة يزعم أنَّ اللَّه أرسله، فمكثنا ما شاء اللَّه أن نمكث، فهاجر إلينا وقدم علينا، فقلت: واللَّه لأُجَرِّبَنَّهُ، فذهبت إلى السوق، فاشتريت لحم جَزُورٍ بدرهم، ثم طبخته فجعلت قصعةً من ثريد، فاحتملتها حتى أتيته بها على عاتقي حتى وضعتها بين يديه، فقال:"ما هذه أصدقة أم هدية"؟ قلت: بل صدقة، فقال لأصحابه:"كُلُوا باسم اللَّه"، وأمسك ولم يأكل. فمكثت أيامًا ثم اشتريت لحم جَزُور أيضًا بدرهم، وأصنع مثلها، فاحتملتها حتى أتيته بها، فوضعتها بين يديه، فقال:"ما هذه هدية أم صدقة"؟ قلت: لا بل هدية، قال لأصحابه:"كُلُوا باسم اللَّه"، وأَكَل معهم. قلت: هذا واللَّه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فنظرت فرأيت بين كتفيه خَاتَمُ النبوة مثل بيضة الحمامة، فأسلمتُ، ثم قلت له ذات يوم: يا رسول اللَّه أي قوم النصارى؟ قال:"لا خير فيهم"، وكنت أحبُّهم حُبًّا شديدًا لما رأيتُ من اجتهادهم. ثم إني سألته أيضًا بعد أيام: يا رسول اللَّه أي قوم النصارى؟ قال:"لا خير فيهم ولا فيمن يُحبُّهم". قلت في نفسي: وأنا واللَّه أحبُّهم. قال: وذاك واللَّه حين بعث السرايا، وجرَّد السيف، فَسَرِيَّةٌ تَدْخُلُ، وسَرِيَّةٌ تَخْرُجُ، والسيف يقطُرُ، قلت: يُحَدَّثُ بي الآن أنِّي أحبُّهم، فيبعثُ إليَّ فيضرب عُنُقي. فقعدت في البيت فجاءني الرسول ذات يوم فقال: يا سلمان أجب، قلت: من؟ قال: رسول اللَّه. قلت: هذا واللَّه الذي كنت أحذر، قلت نعم اذهب حتى ألحقك، قال: لا واللَّه حتى تجيء. وأنا أُحَدِّثُ نفسي أَنْ لو ذَهَبَ أَنْ أَفِرَّ. فانطلق بي، فانتهيت إليه، فلما رآني،