إذا أردنا الوقوف على غاية هذا العلم وفائدته، فخير وسيلة لذلك، أن نتلمس حقيقة تلك المصنفات التي أُفردت زوائدها، ومناهج أصحابها فيها.
وقد لخصَّ الإِمام الدِّهْلَويّ رحمه اللَّه القول في ذلك عند ذكره للطبقة الثالثة من طبقات كتب الحديث في كتابه "حجّة اللَّه البالغة"(١) فقال:
"والطبقة الثالثة: مسانيد وجوامع ومصنَّفات، صُنِّفَتْ قبل البخاري ومسلم، وفي زمانهما وبعدهما، جمعت بين الصحيح والحسن والضعيف والمعروف والغريب والشاذ والمنكر والخطأ والصواب والثابت والمقلوب، ولم تشتهر في العلماء ذلك الاشتهار، وإن زال عنها اسم النكارة المطلقة، ولم يتداول ما تفردت به الفقهاء كثير تداول، ولم يَفْحَصْ عن صحتها وسَقَمِها المحدِّثُونَ كثير فحص، ومنه ما لم يخدمه لغوي لشرح غريب، ولا فقيه بتطبيقه بمذاهب السلف، ولا محدِّث ببيان مشكله، ولا مؤرِّخ بذكر أسماء رجاله.
ولا أريد المتأخرين المتعمقين، وإنما كلامي في الأئمة المتقدمين من أهل الحديث، فهي باقية على استتارها واختفائها وخمولها، كـ "مسند أبي يَعْلَى"، و"مصنف عبد الرزاق"، و"مصنف أبي بكر بن أبي شَيْبَة"، و"مسند عبد بن حُمَيْد"، والطَّيَالِسِيّ، وكتب البيهقي، والطَّحَاوي، والطبراني.