فالكتاب إذًا ليس من كتب الرواية المتخصصة كـ "المسانيد" و"الصِّحَاح" و"الجوامع" و"السنن" و"المُسْتَدرَكَات" و"المعاجم" وسواها، والتي كان غرض مصنِّفيها جمع الحديث وروايته وتصنيفه وفق مناهج وضوابط محددة.
ومن ثم فإنَّه لا يمكن أن نقارن بين قيمة مرويات كتابٍ في (علم الرجال) تَوَجَّهَ فيه مصنِّفه إلى ما يُتَوَجَّهُ به عادةً في التراجم مادةً وصياغةً، ووردت فيه الأحاديث تبعًا، لإثبات رواية المُتَرْجَمِ له، ووقوع حديثه للمُصَنِّفِ، فهو يرويه من طريقه تحديدًا، بغض النظر عن أي اعتبار في أمر قيمة ما يرويه وطبيعته؛ وبين مرويات كتب السُّنَّة المُطَهَّرة التي قَصَدَ منها مصنِّفوها ما تقدَّم، وكان عنصر الانتقاء والتخير وفق ضوابط وضعوها، قائمًا في جلّها بوجه أو بآخر.
وقد قدَّمت بذلك حتى نتمكن من أَنْ نُنَزِّلَ كلام بعض العلماء في مرتبة أحاديث الحافظ الخطيب وقيمتها، وجهه الصحيح، لتكون الأحكام مُسَدَّدَةً، والنظرات صائبة إن شاء اللَّه، تتساوق مع واقع الحال لا تتجاوزه.
وممن عرض لقيمة مرويات الخطيب في جملة من كتب الأئمة الآخرين معه، الحافظ السيوطي (ت ٩١١ هـ) في مقدمة كتابه "الجامع الكبير"(١) حيث يقول عند ذكر مصادر كتابه وما رمز لها:
"وللعُقَيْلي في "الضعفاء": عق، ولابن عدي في "الكامل": عد، وللخطيب: خط، فإن كان في "تاريخه" أطلقت، وإلَّا بينته، ولابن عساكر في "تاريخه": كر. وكل ما عُزي لهؤلاء الأربعة، أو للحَكِيم التِّرْمِذِيّ في "نوادر الأصول"، أو الحاكم في "تاريخه"، أو للدَّيْلَمِيّ في "مسند الفردوس"، فهو ضعيف. فليستغن بالعزو إليها أو إلى بعضها عن بيان ضعفه".
وعرض لها الإمام ولي اللَّه أحمد بن عبد الرحيم الدِّهْلَوي (ت ١١٧٦ هـ) في