والذي يظهر لي من أقوال النُّقَّاد المذكورين جميعًا، أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ بِضَعْفِهِ هو الرَّاجِحُ، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم.
ورحم اللَّه العلَّامة عبد الرحمن المُعَلِّمي اليَمَاني إذ يقول في تعليقه على "الفوائد المجموعة" للشَّوْكَاني ص ٤٨٢: "اعلم أنَّ هذا الخبر يتضمن معذرةً وفضيلةً للمسنين، وإنْ كانوا مُفَرِّطِينَ أو مُسْرِفِينَ على أنفسهم، فمن ثم أولع به النَّاس، يحتاج إليه الرجل ليعتذر عن نَفْسِهِ، أو عمّن يتقرَّب إليه، فإما أن يُقَوِّيه، وإمَّا أن يُرَكِّبَ له إسنادًا جديدًا، أو يُلَقِّنَهُ من يَقْبَلُ التلقين، أو يُدخلَه على غير ضابطٍ من الصادقين، أو يُدَلِّسه عن الكذَّابين، أو على الأقل يرويه عنهم، ساكتًا عن بيان حاله".
هذا وقد قال الحافظ العِرَاقي في "جزئه" المذكور آنفًا ص ٤٠: "وممّا يُسْتَدَلُّ به على وضع الحديث مخالفة الواقع، وقد أخبرني من أثق به أنَّه رأى رجلًا خَصَلَ له جُذَامٌ بعد الستين، فضلًا عن الأربعين".
وقد ردَّ عليه تلميذه ابن حَجَر في "القول المسدَّد" ص ٦٤ - ٦٥ فقال: "قوله -يعني العِرَاقي-: إنَّه موضوع قطعًا، ثم استدل على ذلك بأمرٍ ظني عجيب، وكيف يتأتى القطع بالحكم على أمرٍ مستنده ظني، وهو إخبار رجل يوثق به، أنَّه رأى من حصل له ذلك بعد الستين، أفما يجوز أن يكون ذلك حصل له قبل الأربعين وهو لا يشعر، ثم دبّ فيه قليلًا قليلًا إلى أن ظهر فيه بعد الستين، ومع هذا الاحتمال كيف يتأتى القطع بالوضع. على أنَّ للحديث عندي مَخْرَجًا لا يرد عليه شيء من هذا على تقدير الصحة، وذلك أنَّه وإن كان لفظه عامًّا فهو مخصوص ببعض النَّاس دون بعض، لأنَّ عمومه يتناول النَّاس كلّهم، وهو مخصوص قطعًا بالمسلمين، لأنَّ الكفار لا يحميهم اللَّه، ولا يتجاوز عن سيئاتهم، ولا يغفر ذنوبهم، ولا يشفِّعهم. وإذا تعيَّن أنّ لفظه العامّ محمول على أمر خاص، فيجوز أن