للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أقول: ليس بمخالفٍ، لأنَّ الحافظ ابن حَجَر في "الفتح" (١/ ٢٢٧) -في العلم، باب من خَصَّ بالعِلْم قومًا. دون قوم كراهية أن لا يفهموا- قد قال: "روي البزَّار بإسنادٍ حسن من حديث أبي سعيد الخُدْرِي رضي اللَّه عنه في هذه القصَّة "أنَّ النبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أَذِنَ لمعاذ في التبشير، فلقيه عمر، فقال: لا تعجل، ثم دخل فقال: يا نبي اللَّه أنت أفضل رأيًا، إنَّ النَّاس إذا سمعوا ذلك اتكلوا عليها. قال: فردّه". وهذا معدود من موافقات عمر، وفيه جواز الاجتهاد بحضرته صلَّى اللَّه عليه وسلَّم".

وقال أيضًا: "دَلَّ صنيع معاذ على أنَّه عرف أنَّ النهي عن التبشير كان على التنزيه لا على التحريم، وإلّا لما كان يخبر به أصلًا. أو عرف أنَّ النَّهي مقيد بالاتكال فأخبر به من لا يخشى عليه ذلك، وإذا زال القيد زال المقيد" (١).

ولم يشر الحافظ ابن حَجَر إلى رواية أنس التي عند ابن مَنْدَه والخطيب.

ويؤيد هذا الذي ذكره ابن حَجَر من التوفيق، ما رواه مسلم في الإيمان، باب الدليل على أنَّ من مات على التوحيد دخل الجَنَّة قَطعًا (١/ ٥٩ - ٦٠) رقم (٣١)، عن أبي هريرة مرفوعًا: "اذْهَبْ بِنَعْلَىَّ هاتينِ، فمن لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هذا الحائِطِ (٢) يشهدُ أن لا إله إلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بها قَلْبُهُ، فَبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ".

قال أبو هريرة: فكانَ أوَّلَ مَنْ لَقِيتُ عُمَرُ، فقال: ما هاتانِ النَّعْلَانِ يا أبا هُرَيْرَةَ! فقلتُ: هاتانِ نَعْلا رسولِ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بعثني بهما؛ مَنْ لَقِيتُ يشهدُ أن لا إله إلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بها قَلْبُهُ بَشَّرْتُهُ بالجَنَّةِ. فَضَرَبَ عُمَرُ بيدهِ بين ثَدْيَيَّ، فَخَرَرْتُ لِاسْتِي. فقال: ارْجِعْ يا أبا هريرةَ، فَرَجَعْتُ إلى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه


(١) وانظر لمزيد تفصيل في الموضوع، مع بسط في فقه الحديث: "فتح الباري" (١/ ٢٢٦ - ٢٢٨) و (١١/ ٣٣٧ - ٣٤٠).
(٢) الحائط: البستان.

<<  <  ج: ص:  >  >>