ومن الممتنع أن يكون الذي يفعله المسلمون دائماً له شروط لم يُبِنْها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهذا مما تعمُّ به البلوى، فجميع المسلمين يحتاجون إِلى معرفة هذا. وإذا كان هذا شرطاً كان ذِكره أولى من ذِكر المهر وغيره، مما لم يكن له ذِكر في كتاب الله ولا حديث ثابت عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[فتبين] أنه ليس مما أوجبه الله على المسلمين في مناكحهم.
قال أحمد بن حنبل وغيره من أئمَّة الحديث: لم يثبت عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الإِشهاد على النكاح شيء، ولو أوجبه لكان الإِيجاب إِنما يعرف من جهة النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان هذا من الأحكام التي يجب إِظهارها وإعلانها، فاشتراط المهر أولى؛ فإِن المهر لا يجب تقديره في العقد بالكتاب والسّنة والإِجماع، ولو كان قد أظهر ذلك لنقل ذلك عن الصحابة: ولم يضيعوا حِفْظ ما لا بُدّ للمسلمين عامة من معرفته، فإِنَّ الهمم والدواعي تتوافر على نقل ذلك، والذي يأمر بحفظ ذلك. وهم قد حفظوا نهيه عن نكاح الشغار، ونكاح المحرم، ونحو ذلك من الأمور التي تقع قليلاً؛ فكيف النكاح بلا إِشهاد إِذا كان الله ورسوله قد حرَّمه وأبطله؛ كيف لا يحفظ في ذلك نص عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟!
بل لو نقل في ذلك شيء من أخبار الآحاد لكان مردوداً عند من يرى مثل ذلك، فإِن هذا من أعظم ما تعمّ به البلوى أعظم من البلوى بكثير من الأحكام، فيمتنع أن يكون كل نكاح للمسلمين لا يصح إِلا بإِشهاد، وقد عقد المسلمون من عقود الأنكحة ما لا يحصيه إِلا رب السماوات؛ فعُلم أنَّ اشتراط الإِشهاد دون غيره باطل قطعاً.
ولهذا كان المشترطون للإِشهاد مضطربين اضطراباً يدل على فساد الأصل،