وبعد أنْ أخذَت المسألة من تفكيري مأخَذَها، وبعد انهماك شديد في غالب وقتي، رأيتُ ما يأتي:
١ - أنَّ استحلال الفُروج وتحريمها لا بدّ أنْ يخضع إِلى نُصوصٍ ثابتة، وكيفيَّةٍ شرعيَّة، وبِذا؛ فإِنّنا نُطالب بالدَّليل على إِيقاع الطَّلاق لِمَنْ لم يُشهِد.
وتحرير هذا؛ أنَّ أساس الخلاف هو: هل للإِنسان أنْ يُطلِّق كيفما اتَّفق أمْ أنَّ للطَّلاق أُصولاً وقواعد؟ وهل الأصل إِيقاع الطَّلاق بلا إِشهاد والمراد من الإِشهاد التوثيق ودفع التهمة والالتباس فحسب؟ أم الأصل إِيقاع الطَّلاق بالإِشهاد ولا يتمّ إِلا بذلك؟ وما الدَّليل على هذا وذاك؟ وما هو الأقرب للصواب؟
والذي بدا لي؛ أنَّ إِيقاع الطَّلاق يحتاج إِلى نصٍّ؛ فلا يكون إِلا بالإِشهاد، فالأصل عدم إِيقاع الطلاق إِلا على وجهٍ شرعيٍّ منصوصٍ عليه، وهذا إِنَّما يكون بنصٍّ من كتابٍ أو سنّة وما كان إِلى هذا أقرب؛ فهو أمثل.
٢ - وأنَّ أقرب شيءٍ إِلى الدّليل والنَّصّ الذي سَبق ذِكْرُه بما يتَّصِل بمسألتنا السَّابقة هو:
أوَّلاً: قوله -تعالى-: {فإِذا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فأمْسِكوهُنَّ بِمعروف أو فارِقوهُنَّ بِمعروفٍ وأشْهِدوا ذَوَيْ عَدْلِ منكُم}، وقد سبق قول ابن عباس -رضي الله عنهما- في تأويلها:"عند الطَّلاق وعند والمراجعة" وكذا قول عطاء في تأويلها: "لا يجوز في نكاحٍ ولا طلاق ولا إِرجاعٍ إِلا شاهدا عدلٍ، كما قال الله -عز وجل-؛ إلاَّ أنْ يكون من عُذرٍ". وقوله:"النِّكاح بالشُّهود، والطَّلاق بالشُّهود، والمراجعة بالشُّهود". وغير ذلك من الآثار المتقدِّمة.