ثمّ اختلف أصحاب هذا القول: هل لها أن تتحول حيث شاءت، أو يلزمها التحول إِلى أقرب المساكن إِلى مسكن الوفاة؟ على قولين. فإِن خافت هدماً أو غرقاً، أو عدواً أو نحو ذلك، أو حوَّلها صاحب المنزل لكونه عاريّة رجع فيها، أو بإِجارة انقضت مدتها، أو منَعَها السكنى تعدياً، أو امتنع من إِجارته، أو طلب به أكثر من أجر المِثل، أو لم تجد ما تكتري به، أو لم تجد إِلا من مالها؛ فلها أن تنتقل، لأنها حال عذر، ولا يلزمها بذل أجر المسكن، وإنما الواجب عليها فِعْل السُّكنى لا تحصيل المسكن، وإذا تعذَّرت السّكنى، سقطت. وهذا قول أحمد والشافعي".
وقال -رحمه الله- (ص ٦٩١ - ٦٩٢): "قال الآخرون: ليس في هذا ما يوجب رد هذه السّنة الصحيحة الصريحة التي تلقّاها أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وأكابر الصحابة بالقَبول، ونفَّذها عثمان، وحَكَم بها، ولو كنّا لا نقبل رواية النساء عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لذهبت سنن كثيرة من سنن الإِسلام لا يُعرف أنه رواها عنه إِلا النساء، وهذا كتاب الله ليس فيه ما ينبغي وجوب الاعتداد في المنزل حتى تكون السّنة مخالفة له، بل غايتها أن تكون بياناً لحُكمٍ سكَت عنه الكتاب.
ومثل هذا لا تُردُّ به السنن، وهذا الذي حذّر منه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعينه أن تترك السنّة إِذا لم يكن نظير حُكمها في الكتاب.
وأمَّا ترك أمّ المؤمنين -رضي الله عنها- لحديث الفُريعة، فلعله لم يبلغها. ولو بَلَغَها فلعلها تأولته، ولو لم تتأوله، فلعله قام عندها معارض له.
وبكل حال، فالقائلون به في تركهم لتركها لهذا الحديث؛ أعذر من التاركين له لترك أمّ المؤمنين له، فبين التركين فرقٌ عظيم.