أنْ يقضيها بعد وقتها، كلاّ فلا قضاء للمتعمّد؛ كما أفاد هذا الحديث الشريف وحديث أنس:"لا كفّارة لها إلاَّ ذلك".
ومن ذلك يتبيّن لكلّ من أوتي شيئاً من العلم والفقه في الدين؛ أنّ قول بعض المتأخّرين:"وإِذا كان النائم والناسي للصلاة -وهما معذوران- يقضيانها بعد خروج وقتها؛ كان المتعمد لتركها أولى"؛ أنه قياس خاطئ؛ بل لعله من أفسد قياس على وجه الأرض؛ لأنَّه من باب قياس النقيض على نقيضه، وهو فاسد بداهة، إِذ كيف يصحّ قياس غير المعذور على المعذور والمتعمد على الساهي؟! ومن لم يجعل الله له كفّارة على من جعل الله له كفّارة؟! وما سبب ذلك إلاَّ من الغفلة عن المعنى المراد من هذا الحديث الشريف، وقد وفّقنا الله تعالى لبيانه، والحمد لله تعالى على توفيقه.
وللعلامة ابن القيّم -رحمه الله تعالى- بحث هام مفصّل في هذه المسألة، أظنّ أنَّه لم يُسبَق إِلى مثله في الإِفادة والتحقيق، وأرى من تمام هذا البحث أن أنقل منه فصلين: أحدهما في إِبطال هذا القياس، والآخر في الردّ على من استدل بهذا الحديث على نقيض ما بيَّنَّا، قال -رحمه الله- بعد أن ذكر القول المتقدّم-: "فجوابه من وجوه:
أحدها: المعارضة بما هو أصحّ منه أو مِثله، وهو أن يقال: لا يلزم من صحة القضاء بعد الوقت من المعذور -المطيع لله ورسوله الذي لم يكن منه تفريط في فِعل ما أمر به وقبوله منه- صحته وقبوله من متعدٍّ لحدود الله، مضيِّع لأمره، تارك لحقّه عمداً وعدواناً؛ فقياس هذا في صحّة العبادة وقَبولها منه وبراءة الذمة بها من أفسد القياس.