الوجه الثاني: أن المعذور بنوم أو نسيان لم يصل الصلاة في غير وقتها، بل في نفس وقتهَا الذي وقّته الله له؛ فإِنّ الوقت في حقّ هذا حين يستيقظ ويذكر؛ فالوقت وقتان: وقت اختيار، ووقت عذر، فوقت المعذور بنوم أو سهو هو وقت ذِكْره واستيقاظه؛ فهذا لم يصلّ الصلاة إلاَّ في وقتها، فكيف يقاس عليه من صلاّها في غير وقتها عمداً وعدواناً؟!
الثالث: أن الشريعة قد فرَّقت في مواردها ومصادرها بين العامد والناسي، وبين المعذور وغيره، وهذا ممّا لا خفاء به؛ فإِلحاق أحد النوعين بالآخر غير جائز.
الرابع: أنّا لم نُسقِطها عن العامد المفرط ونأمر بها المعذور حتى يكون ما ذكرتم حجَّة علينا، بل ألزمْنا بها المفرِّط المتعدّي على وجه لا سبيل له إِلى استدراكها تغليظاً عليه، وجوزنا للمعذور غير المفرط.
وأمّا استدلالكم بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس؛ فقد أدرك"؛ فما أصحّه من حديث! وما أراه على مقتضى قولكم! فإِنكم تقولون: هو مُدرِكٌ للعصر، ولو لم يدرك من وقتها شيئاً البتة؛ بمعنى: أنّه مُدرِك لفعلها صحيحة منه مبرئة لذمته، فلو كانت تصح بعد خروج وقتها وُتقبل منه؛ لم يتعلّق إِدراكها بركعة، ومعلوم أن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يُرِد أن من أدرك ركعة من العصر صحت صلاته بلا إِثم، بل هو آثم بتعمّد ذلك اتفاقاً؛ فإِنّه أُمِر أنّ يوقع جميعها في وقتها، فعُلم أن هذا الإِدراك لا يرفع الإِثم، بل هو مُدرِك آثم، فلو كانت تصح بعد الغروب؛ لم يكن فرق بين أن يدرك ركعة من الوقت؛ أو لا يدرك منها شيئاً". انتهى.