للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [النحل: ١٢٣] وهذا الدليل فيه نزاع في مواضع:

أحدها: أن الملة يُراد به الأحكام الأصولية، والأحكام الفروعية، وقد مُنع ذلك وخُصِّصَ بالأصولية، واستُدلَّ عليها بأمور:

أحدها: أن المُختلِفين في الفروع لا يقال: إن أحدهم على غير ملة الآخر، بل يقال: هما على ملة واحدة فنقول الشَّافعيّ ومالك وأبو حنيفة وسائر المختلفين في الفروع على ملة واحدة.

الثاني: مناسبةُ (١) ما بعد هذا الكلام لكون المراد هو الأصول، وهو قوله: {حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: ١٢٣].

الثالث: لو كان المراد الأصول والفروع لكان النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - متعبَّدًا بشريعة إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - أصولها وفروعِها، واللازمُ منتفٍ، والمسألة في الأصول معلومة، والاستدلال على انتفاء هذا اللازم مذكور في كتب الأصول، والمستدلُّون بهذا الدليل يظهر من كلامهم أنَّهم يلتزمون صحة هذا اللازم، وهو تعبُّدُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بشرع إبراهيم، وهو خلافُ المرجَّح في الأصول (٢).

وثانيها: سلَّمنا أن الملةَ تدخل تحتها الأحكام الأصولية والفروعية؛ لأن الفعل من حيث هو فعل ليس بحكم لكنه متعلق الحكم، إذ الحكمُ: خطابُ الله تعالى المتعلِّق بأفعال المكلَّفين، فهو


(١) "ت": "مناسبته"، والصواب ما أثبت.
(٢) انظر: "المحصول" للرازي (٣/ ٣٩٧)، و"الإحكام" للآمدي (٤/ ١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>