مع الباء التي تفيدُ التبعيضَ من غير اختصاص المسح بمكانٍ من الرأس مخصوصٍ، فثبت أنَّ البيانَ بالتحديد حاصلٌ، واللَّبسَ به في ذلك زائلٌ.
قلت: قد ذكرت أنَّ القرينةَ ضعيفةٌ، والاعتراضُ الذي اعترض به ركيكٌ، والذين قالوا بوجوب التعميم في مسح الرأس، جوابُهُمْ في ذلك هو ما أُجيبَ به في الوجه.
وهؤلاء المتأخرون من النُّحاة في بعض الأقطار، يتأولون ما ظاهرُهُ الدلالةُ على خلاف ما يقولون بالتأويلات البعيدة المتعسَّفَةِ، ويكتفون في الردِّ على مَنْ يستشهدُ بالشواهد على خلاف مذهبهم بأنه غيرُ مُتعيّنٍ لما قاله خصومُهُم، ولا يعتبرون الظهورَ وردَّ التأويلاتِ المستَبعدة، ولم يسلكوا طريقةَ أهل النظر من غيرهم في تقديم الظاهر وردِّ التأويلات المستبعدة، وقد سُلِكَ هذا المسلكُ في هذه الشواهد التي استُشْهِدَ بها، وأُخرِجَت عن التأويل عما يقولُ خصومُهُم من الخفض بالمجاورة.
فأما قراءةُ:{وَحُورٌ عِينٌ}[الواقعة: ٢٢]، فقال الشريف: وللجرِّ وجهٌ، وذكر العطفَ على {جَنَّاتِ النَّعِيمِ} على حذف مضاف؛ أي: وفي عطف {وَحُورٌ عِينٌ} على {جَنَّاتِ النَّعِيمِ} مقارنة، أو معاشرة {وَحُورٌ عِينٌ}، وحُذِفَ المضافُ، قال: وهذا وجهٌ حسنٌ؛ ذكره أبو علي الفارسي في كتابه المعروف بـ "الحجة"، واقتصرَ عليه (١)، ولو
(١) انظر: "الحجة للقراء السبعة" لأبي علي الفارسي (٦/ ٢٥٥).