كان للجر بالمجاورة وجهٌ لذكره، ولما جاز أن يخلَّ به؛ فإنهُ ممن لا يُتَّهَمُ بخفاء وجهِ الإعراب؛ ضعيفًا كان أو قويًا.
ثم قال بعد ذلك: فإن قيل: لم لا تحملُهُ على الجار في قوله تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ}[الواقعة: ١٧] بكذا؟ ويجوزُ؟ وأجابَ بأن هذا يمكنُ أن يقال، إلا أنَّ [أبا](١) الحسن قال: في هذا بعضُ الوحشة.
وأجاب أبو الفتح في أثناء كلامه بأن قُصارى أمرِهِ أن يكونَ وجهًا ثانياً في الجرّ، وقد كفى خصمَهُ أن يكونَ الذي قاله قد ذكره إمامٌ من أئمة هذا الشأن.
ثم قال: أليسَ من الحَيْفِ أن يقولَ أبو عبد الله: لو ساغتِ القراءةُ بالنصب في الرجلين، لكانت على مجازِ اللغة دونَ حقيقتها؟ وذلك لأنَّ الأصلَ في اللغة أن يكونَ حكمُ المعطوف به حكمَ المعطوف عليه، وأن يُقضَى بالمعطوف به على أنه معطوفٌ على أقرب المذكور منه، ولا يُعدَّى إلى ما بَعُدَ منه، ويقول الشريف: إنَّ الكلامَ إذا حصل فيه عاملان؛ أحدُهما قريبٌ، والآخرُ بعيدٌ، فإعمالُ الأقربِ أولى من إعمال الأبعد، ويحكي فيه نصَّ أهل العربية عليه، ومجيءَ القرآنِ وأكثرِ الشعر به، ثم يختار عطفَ قوله:{وَحُورٌ عِينٌ}[الواقعة: ٢٢] على قوله: {جَنَّاتِ النَّعِيمِ} مع البعد، ويُنكِرُ أن يُعطفَ على قوله:{بِأَكْوَابٍ}[الواقعة: ١٨] مع القرب، {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}