ويفيدُ العطفُ على اللفظ بعضَ القَدَم، ويفيدُ العطفُ على الموضع وجوبَ المسح جميع القَدَم كلّها إلى الكَعْب، وهم لا يُوجبون مسحَ جميعِ القدم، بل أكثرُ ما يوجبونَهُ منه أن يضعَ كفَّهُ على الأصابع، فيمسحها إلى ظاهر القدم، وكذلك في الرأس لا يوجبون منه أكثر من مسح ثلاثة أصابع، ومنهم من قال: أقلُّ ما يُجزِئُ في مسح الرأس قدرُ إصبع واحدة.
والذي يبيِّنُ صحةَ هذا الفرق ما ذكره الشريفُ عَقيبَ كلامِه الذي حُكِيَ عنه في هذا الفصل، فقال: ومثله: مررت بزيد، وذهبت إلى عمرو، ولك أن تعطفَ فتقول: مررت يزيد وخالداً، وذهبت إلى عمروٍ وبشراً؛ لأنَّ موضعَ (بزيد) وإلى (عمروٍ) نصبٌ، وإن لم يجزْ أن نُسقطَ حرفَ الجر، فنقول: مررت زيدًا وذهبت عمرو، إلا أنه لما كانَ معنى مررت وذهبت: لقيت وأتيت، جاز أن تعطفَ فتقولَ: وخالداً، أي: وأتيتُ خالداً، وتكون (مررت) دالة على (أتيت). أو ليسَ هذا تصريحًا بأنه إذا حمل قوله:{وَأَرْجُلَكُمْ} على موضع {بِرُءُوسِكُمْ} يكون التقدير: وامسحوا أرجلكم إلى الكعبين.
وقد قال الشريف في هذا الكتاب: إنَّ الباءَ في مسح الرأس يقتضي التبعيض، فيلزمُهُ إذا قَدَّرَ إسقاطَ الباء في قوله:{وَأَرْجُلَكُمْ} أن يُوجِبَ مسحَ القدمين إلى الكعبين، وهو لا يُوجِبُ ذلك، فأين التوثيق بين القراءتين؟ وأين هذا الاستعمالُ من استعمال مَنْ حمل القراءةَ بالجر على الإعراب بالمجاورة، وأوجبَ بها ما أوجبَهُ بالقراءة المنصوبة سواء؟