ورواه ابن الجَوْزي في "الموضوعات"(٢/ ٢٠٤) عن الخطيب من طرقه الثَّلاثة، عن عبد اللَّه بن معاوية، عن أبيه، به، وقال:"هذا حديث لا يصحُّ، ولا يُعْرَفُ في الصحابة عَنْبَسَة ولا أبو غَلِيظ ولا أبو عليط. قال البخاري: عبد اللَّه بن معاوية منكر الحديث. وقال العُقَيْلِي: يحدِّث بمناكير لا أصل لها. وممَّا يردُّ هذا أنَّ الطَّيْرَ لا يُوصف بصوم".
أقول: وَهِمَ ابن الجَوْزي رحمه اللَّه في إعلال الحديث بـ (عبد اللَّه بن معاوية)، ونقله تضعيفه عن البخاري والعُقَيْلِي؛ فإنَّ من ضعَّفاه هو:(عبد اللَّه بن معاوية بن عاصم بن المنذر بن الزُّبَيْر بن العَوَّام)، كما في "التاريخ الكبير" للبخاري (٥/ ٢٠٩)، و"الضعفاء" للعُقَيْلِي (٢/ ٣٠٧).
والذي في إسناد الخطيب هو (عبد اللَّه بن معاوية بن موسى بن أبي غَلِيظ الجُمَحِيّ البَصْرِيّ أبو جعفر)، وهو ثقة روى عنه أبو داود، والتِّرْمِذِيّ وهو شيخ له، وابن ماجه. وثَّقه ابن حِبَّان ومَسْلَمَة بن قاسم وعبَّاس العَنْبَرِيّ. وقال التِّرْمِذِيّ: هو رجل صالح. انظر:"التهذيب"(٦/ ٣٨ - ٣٩)، و"التقريب"(١/ ٤٥٣) وقال: "ثقة معمَّر، من العاشرة".
ولم يتنبَّه السُّيُوطيُّ في "اللآلئ المصنوعة"(٢/ ١١٠)، ولا ابن عَرَّاق في "تنزيه الشريعة"(٢/ ١٥٦ - ١٥٧)، إلى وَهِمَ ابن الجَوْزي هذا. فالحمد للَّه على توفيقه.
ولم يرتض السُّيُوطيُّ في "اللآلئ"(٢/ ١١٠) حُكَمْ ابن الجَوْزي على الحديث بالوضع، وقال: إنَّ له شاهدًا أخرجه الحكيم التِّرْمِذِيّ في كتاب "المناهي" عن سفيان بن وكيع، عن ابن مهدي، عن قُرَّة بن خالد، عن موسى بن أبي غَلِيظ، عن أبي هريرة موقوفًا:"الصُّرَّدُ أَوَّلُ طَيْرٍ صَامَ".
كما أنَّ أبا نُعَيْم قد أخرج في "الحِلْيَة" عن قيس بن عُبَاد أنَّه قال: "كانت الوحوش تصوم يوم عاشوراء".