رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم، وآثارَ أصحابه رضي اللَّه عنهم، التي هي ثاني أدلَّةِ الأحكام.
ومعرفتها أمرٌ شريفٌ، وشأنٌ جليلٌ، لا يُحيطُ به إلَّا من هَذَّبَ نَفْسَهُ بمتابعةِ أوامر الشَّرْع ونَواهيهِ، وأزالَ الزَّيْغَ عن قَلْبِهِ ولِسَانِهِ" (١).
وقد بَذَلَ السَّلَفُ والخَلَفُ في سبيل خدمة السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ، روايةً ودِرَايةً، حفظًا وصونًا، إعلاءً وتمكينًا، ما تنطق به رحلاتهم الواسعة، ومجالسهم العامرة، ومواقفهم العظيمة المسدَّدة، وتحققهم الصادق النيِّر، ومصنَّفاتهم الكثيرة المتنوعة.
فقد استفرغوا الوسع وزادوا، وصدقوا اللَّه في نِيَّاتهم وأعمالهم، فصدقهم اللَّه تعالى، فنضَّر وجوههم، وخلَّد ذكرهم، وأعلى مقامهم، وبارك في آثارهم.
وما عملي هنا في هذا الكتاب إلّا لَبِنَةً متواضعةً في بنائهم الراسخ الممتد في خدمة حديث النبيِّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم، يمكن أن يُضَمَّ إلى ما صنَّفوا في فَنِّ الزوائد من موسوعات جليلة، أسهمت في حفظ السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ، وتقريبها وتيسيرها.
وموضوع هذا الكتاب كنت أتلمس أهميته وضرورته كلَّما ازدادت صلتي بـ (تاريخ بغداد) استفادةً وتحصيلًا، مراجعةً وإحالةً؛ فكنت أقف متأملًا هذا العددَ الكبير من الحديث الشريف البالغ (٤٣٨٥) حديثًا على ما أحصيتُهُ، والمتفرقَ في ثنايا تراجم الكتاب البالغة (٧٨٣١) ترجمةً، ضمَّتها المجلَّدات الأربعة عشر منه، متسائلًا عن سبب عدم توجه علمائنا السابقينَ واللاحقينَ إلى هذا العدد الكبير من الحديث النبوي -الذي يزيد على عدد أحاديث بعض الكتب الستة: كسنن التِّرْمِذِيّ وابن مَاجَه-، بالعناية والدراسة: جمعًا وتصنيفًا، تصحيحًا وتضعيفًا.
وكنت أرى أَنَّ مَرَدَّ هذا الإِغفالِ، في غالب الرأي، يعود إلى هذا الذي ذُكِرَ
(١) من كلام الإِمام ابن الأَثِير الجَزَري في مقدمته لكتابه "جامع الأصول" (١/ ٣٦ - ٣٧).