وانتشَر بين أهل العلم وطُلَّابِه، وهو أنَّ مجرَّدَ عزو الحديث إلى الخطيب، مُعْلِمٌ بضَعْفِهِ، أو غَرَابَتِهِ، أو نَكَارَتِهِ، أو وَضْعِهِ، فلا يحتاج معه إلى بيان درجته من حيث القبولُ والردُّ.
فلما تَقَرَّرَ هذا الاتجاهُ، أُغْمِضَتِ العيونُ عن أحاديثه وآثاره، فأُهملت وتُركت، وصُرفتِ الجهودُ إلى غيره بالعناية والدراسة.
بيد أنَّه لما ظهر لي أنَّ هذا الذي تَقَرَّرَ، ليس على الصورة التي قَرِّرَ بها -كما بَيَّنْتُهُ وفَصَّلْتُهُ في الدراسة الآتية-، وجدت أنَّه من اللازم أن يُصارَ إلى العناية والاهتمام بما تضمنه (تاريخ بغداد) من حديث النبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: دراسةً وتصنيفًا، تصحيحًا وتضعيفًا.
ووجدتُ أن أجدى الطرق وأَنْفَعَهَا في سبيل تحقيق ذلك، هو إفرادُ زوائد أحاديث (التاريخ) على الكتب الستة الأصول أولًا، فما كان منها فيها أو بَعْضَهَا، لم أُفْرِدْهُ، استغناءٌ بها، ولأنَّ العزو ساعتئذٍ لا يَصِحُّ للمصدر النازل، والمصدرُ الأعلى قائمٌ موجودٌ، فضلًا عن أنَّ هذه الأحاديثَ قد تكاملت العناية بها من كلِّ وجه، ومن ثَمَّ فإنَّا لا نحتاجُ إلى أن تنصرف الجهود بدايةً إلى ما لم يكن من الزوائد.
وبعدَ إفراد هذه الزوائد تكون المرحلة الثانية من العناية والاهتمام، وذلك في التوجه صوب دراسة كُلِّ حديثٍ من تلك الأحاديث الزوائد، من جهة قبوله وردِّه، وبيانِ موجباتِ ذلكَ. ثم تخريجُهُ، وذكرُ متابعاته وشواهده، ومراتِبِهَا، خاصةً عند الاحتياج إليها في تعضيده إذا كان ضعيفًا، ثم بيانُ غريبه إنْ كان مشتملًا على غريب.
أمَّا المرحلة الثالثة: فهي في تصنيف هذه الزوائد -من خلال الفهارس-، حَسْبَ المسانيدِ، والموضوعاتِ، والأطرافِ، لِيُنْتَفَعَ بها من أقرب طريقٍ، ويُستفادَ منها بأقل جهد ووقت.