وكانت مرحلةُ إفراد الزوائد من مجموع أحاديث (التاريخ) بعددها الكبير، من أَدَقِّ مراحل العمل، وأكثرها صعوبةً، لأنَّ هذا يتطلبُ عرض كلِّ حديث من أحاديث (التاريخ) البالغةِ (٤٣٨٥) حديثًا، على أحاديث الكتب الستة الأصول:"الصحيحين" للإمامين البُخَاريِّ ومُسْلِمٍ، و"السُّنَنِ" للأئمة: أبي داودَ والتِّرْمِذِيِّ والنَّسَائيِّ وابن مَاجَه، بآلافها المؤلَّفة، وكتبها وأبوابها الكثيرة، وفِقْهِهَا الدَّقيقِ والمتنوعِ، والذي يحتاج إلى تأملٍ عميقٍ، ونظرٍ واسعٍ، خاصةً مع تقسيم بعضهم للحديث الواحد إلى أجزاءٍ متعددةٍ بحَسْبِ ما يدلُّ عليه من فِقْهٍ، وما يُسْتَنْبَطُ منه من أحكامٍ، وإلحاقِ كُلِّ جزءٍ بالباب الذي يناسبُهُ.
وهذا الأمر إذا كان متيسرًا إلى حَدٍّ كبيرٍ للأئمة السابقينَ، لواسِعِ حِفْظِهِمْ، وقُوَّةِ اسْتِحْضَارِهِمْ، وعظيم اطلاعهم، مع دِقَّةِ الأفهامِ، والفِقْهِ، وبالغ النِّيَّاتِ والصِّدْقِ؛ فإنَّ فيه بالنسبة للمعاصرينَ، مشقَّةً وعَنَتًا، وذلك لما للسابقينَ من الصفات المذكورة التي تَقَاصَرَ عنها المعاصرونَ، مما يجعل عملهم أكثرَ صعوبةً، وأجَلَّ خطورةً، ممّا يستتبعُ مزيدًا من الدِّقةِ والنظرِ، والحَيْطَةِ والحَذَرِ.
هذا أمرٌ، والآخَرُ: أنَّه لا نجدُ بين أيدينا قواعدَ منظومةً محرَّرةً جامعةً في فَنِّ الزوائدِ، تُتَمَثَّلُ، ويُهْتَدَى بها في مثل هذا العمل، إلَّا بعضًا من الضوابط والشروطِ التي يقف عليها الباحث في مقدِّمات بعض مصنَّفات الزوائد للأئمةِ المتقدمينَ، أمثالِ: الهَيْثَمي وابنِ حَجَرٍ والبُوصِيري؛ مما جعل الأمر يحتاج إلى اهتداءٍ وتَلَمُّس لبعضها من واقع عمل الأئمة في مصنَّفاتهم تلك، وتقعيدِهَا؛ وإلى إنشاءِ قواعدَ جديدةٍ تتفقُ وحَدَّ هذا العلمِ وموضوعَهُ، حتى يكون العمل عِلْمِيًّا منهجيًا، ومُتَسَاوِقًا منضبطًا.
وهذا ما قمت به ابتداءً وأتيت عليه في الدراسة التي تلي هذه المقدِّمة.
وقد بلغ عدد الأحاديث الزوائد في (تاريخ بغداد)، بعد هذا العَرْضِ وتلك: المقابلة: (٢٢٢٣) حديثًا، أي ما يزيد على نصف مجموع أحاديثِ (التاريخ) بشيءٍ يسيرٍ، وهو عدد ليس بالقليل.