للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يعرضه على أبي بكر الخطيب، فما أمرهم بإيراده أوردوه، وما منعهم منه ألغوه" (١).

وهذا يدلُّ على عظيم ما بلغه الحافظ أبو بكر الخطيب من المنزلة والشهرة والتمكن والوثوق به، كما يدث في الوقت نفسه على اهتمام أُولي الأمر بالحفاظ على الدِّين والسُّنَّةِ نقيين من كل شائبةٍ ودَخِيلٍ.

إلّا أنَّ الاستقرار وطيب المقام لم يدم لحافظنا أبي بكر، حيث حدثت فتنة (أرسلان البساسيري)، وهو أحد القوَّاد الأتراك الذين عظم أمرهم، ولم يكن الخليفة القائم باللَّه يقطع أمرًا دونه، وكان يسعى إلى تقويض الخلافة الإِسلامية الشرعية، لِيُحِلَّ مَحَلَّها خلافةً باطنيةً فاطميةً بالاتفاق مع صاحب مِصْر الفاطمي. وجرت في هذه الفتنة أحداث ووقائع انتهت بقتل صديقه الوزير ابن المُسْلِمَة وصَلْبه، وبنفي الخليفة وحبسه (٢).

فما كان من الحافظ الخطيب رحمه اللَّه في هذه الأجواء الموحشة، والفتنة الدَّاهمة، وتَمَكُّنِ الباطنيين من الحكم، وفتكهم بالنَّاس، إلَّا أَنْ عزم على الخروج مستترًا إلى الشَّام، حاملًا معه كتبه ومصنفاته. وقد ذكر الخطيب أَنَّه خرج من بغداد يوم النصف من صفر سنة (٤٥١ هـ)، وأنّه كان بدمشق في يوم الأضحى من نفس السنة (٣).

وطاب له المقام في دمشق، واتخذ المنارة الشرقية للمسجد الأُمَوي مسكنًا، وشَرَعَ يُحَدِّثُ فيه بمصنَّفاته ومصنَّفات غيره من مسموعاته، فأفاد رحمه اللَّه واستفاد (٤).


(١) "معجم الأدباء" (٤/ ١٩).
(٢) انظر خبر هذه الفتنة وتفاصيلها في: "تاريخ بغداد" (٩/ ٣٩٩ - ٤٠٤)، و"البداية والنهاية" لابن كثير (١٢/ ٧٦ - ٧٩ و ٨٠ - ٨٤).
(٣) "تاريخ بغداد" (٩/ ٤٠٣) و (١٤/ ٤٤٧).
(٤) انظر: "البداية والنهاية" (١٢/ ١٠٢)، و"الحافظ الخطيب البغدادي" ص ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>