للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم قَفَلَ راجعًا إلى بغداد سالكًا طريق الشام، مارًّا ببيت المقدس وصُور، وكان فيها (٤٤٦ هـ)، والتقى فيهما ببعض الشيوخ وتحمَّل عنهم (١).

ثم دخل بغداد ومكث فيها خمس سنوات، أمضاها في التصنيف والإِفادة، وصار له قُرْبٌ من رفيقه في الطلب: رئيس الرؤساء الوزير أبي القاسم عليّ بن الحسن بن المُسْلِمَة، وكان وزيرًا للخليفة العبَّاسي: القائم بأمر اللَّه.

وفي عام (٤٤٧ هـ) وقعت له حادثة مهمة مع رئيس الرؤساء هذا، أخبرنا عنها ابن الجَوْزي في كتابه "المُنْتَظَم" (٢) فقال: "ورجع -يعني الخطيب- إلى بغداد، فقرب من أبي القاسم بن المُسْلِمَة الوزير، وكان قد أظهر بعض اليهود كتابًا، وادَّعى أنَّه كتاب رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بإسقاط الجِزْيَة عن أهل خَيْبَر، وفيه شهادات الصحابة، وأنَّ خَطَّ عليّ بن أبي طالب فيه. فعرضه رئيس الرؤساء ابن المُسْلِمَة على أبي بكر الخطيب، فقال: هذا مُزَوَّرٌ. قيل من أين لك؟ قال: في الكتاب شهادة معاوية بن أبي سفيان، ومعاوية أسلم يوم الفتح، وخَيْبَر كانت في سنة سبع. وفيه شهادة سعد بن معاذ، وكان قد مات يوم الخندق (٣)، فاستحسن ذلك منه".

وبعد هذه الواقعة، ارتفعت منزلة الحافظ الخطيب كثيرًا عند الوزير أبي القاسم بن المُسْلِمَة، وبلغت ثقته به وبعلمه واطلاعه أن "تقدَّم إلى القُصَّاص والوعَّاظ، ألّا يورد أحد منهم حديثًا عن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حتى


(١) انظر "تاريخ بغداد" (١٣/ ٢٢١) و (١١/ ٣٤).
(٢) (٨/ ٢٦٥ - ٢٦٦).
(٣) في "السِّيَر" للذَّهَبِيّ (١٨/ ٢٨٠): "وفيه شهادة سعد بن معاذ، ومات يوم بني قُرَيْظَة قبل خيبر بسنتين". وهو الصواب. لأنّ سعدًا أصيب بسهم في أُكحله يوم الخَنْدَق وحُمِلَ منها جريحًا، ثم حكَّمه رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في بني قُرَيْظَة، وبعدها توفي رضي اللَّه عنه. انظر خبر ذلك في ترجمته من "السِّيَر" (١/ ٢٨٢) وما بعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>