للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلما عاد إلى بغداد، حدَّث بـ (التاريخ) بها. ووقع إليه جزء من سماع الخليفة القائم بأمر اللَّه، فحمل الجزء ومضى إلى باب حُجْرَةِ الخليفة وسأل أن يُؤْذَنَ له في قراءة الجزء. فقال الخليفة: هذا رجل كبير في الحديث، وليس له إلى السماع مني حاجة، ولعل له حاجة أراد أن يتوصل إليها بذلك، فسلوه ما حاجته؟ فَسُئل، فقال: حاجتي أن يُؤْذَنَ لي أن أُمْلِي بجامع المنصور. فتقدَّم الخليفةُ إلى نقيب النقباء بأن يؤذن له في ذلك. فحضر النقيب، وأَمْلَى الخطيب في جامع المنصور. ولمَّا مات أرادوا دفنه عند قبر بِشْر. -يجري في ذلك ما ذكر شيخنا أبو البركات إسماعيل بن أبي سعد الصوفي المعروف بـ (شيخ الشيوخ) - قال: "لمَّا توفي أبو بكر الخطيب الحافظ، أوصى أَنْ يُدْفَنَ إلى جانب بِشْرِ بن الحارث رحمه اللَّه، وكان الموضع الذي بجانب (بِشْر) قد حَفَرَ فيه أبو بكر أحمد بن عليّ الطُّرَيْثِيثيّ قبرًا لنفسه، وكان يمضي إلى ذلك الموضع، ويختم فيه القرآن ويدعو. ومضى على ذلك عِدَّة سنين، فلمَّا مات الخطيب سألوه أن يدفنوه فامتنع. وقال: هذا قبر حفرته وختمت فيه عدَّة ختمات، لا أُمَكِّنُ أحدًا من الدَّفْنٍ فيه، وهذا ممَّا لا يتصور. فانتهى الخبر إلى والدي رحمه اللَّه فقال له: يا شيخ، لو كان بِشْر الحافي في الأحياء ودخلت أنت والخطيب عليه أيكما كان يقعد إلى جانبه أنت أو الخطيب؟ قال: لا بل الخطيب. فقال: كذا ينبغي أن يكون في حالة الممات فإنَّه أحق به منك. فطاب قلبه، ورضي بأن يُدْفَنَ الخطيب في ذلك الموضع فَدُفِنَ فيه".

وكان الحافظ الخطيب رحمه اللَّه على أَتَمِّ الحرص في طريقه إلى الحجِّ أن يعمر وقته بالطاعة والذكر والتلاوة والعلم؛ حيث يروي الحافظ ابن عساكر (١) عن أبي الفرج الإِسْفَرَايِيني قوله: "كان الشيخ أبو بكر الخطيب معنا في طريق الحجِّ، فكان يختم كل يوم ختمة إلى قرب الغياب قراءةً بترتيل، ثم يجتمع عليه النَّاس وهو راكب يقولون: حَدِّثْنَا، فيحدِّثهم".


(١) في "تبيين كذب المفتري" ص ٢٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>